وقوله :« جُدُرٍ ».
قرأ ابن كثير وأبو عمرو :« جدار » بالإفراد. وفيه أوجه :
أحدها : أنه السُّورُ، والسُّورُ الواحد يعم الجميع من المقاتلة ويسترهم.
والثاني : أنه واحد في معنى الجمع لدلالة السياق عليه.
والثالث : أن كل فرقة منهم وراء جدار لا أنهم كلهم وراء جدار.
والباقون قرأوا :« جُدُر » - بضمتين - اعتباراً بأن كل فرقة وراء جدار، فجمع لذلك.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن وثاب والأعمش، ويروى عن ابن كثير وعاصم : بضمة وسكون؛ وهي تخفيف الأولى، وقرأ ابن كثير - أيضاً - في رواية هارون عنه، وهي قراءة كثير من المكيين :« جَدْر » بفتحة وسكون.
فقيل : هي لغة في الجدار.
وقال ابن عطية : معناه أصل بنيات كالسور ونحوه : قال : ويحتمل أن يكون من جَدْر النخيل أي من وراء نخيلهم. يقال : أجدر النخل إذا طلعت رءوسه أول الربيع. والجدر : نبت، واحده جدرة.
وقرىء :« جَدَرٌ » - بفتحتين - حكاها الزمخشري.
وهي لغة في الجدار أيضاً.
وقرىء :« جُدْر » - بضم الجيم وإسكان الدَّال - جمع الجدار.
قال القرطبي : ويجوز أن تكون الألف في الواحد كألف « كتاب » وفي الجمع كألف « ظِراف » ومثله « ناقة هجان، ونوق هجان » لأنك تقول في التثنية « هجانان »، فصار لفظ الواحد والجمع مشتبهين في اللفظ مختلفين في المعنى.
قاله ابن جني.
قوله :﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾.
« بَيْنَهُمْ » متعلق ب « شديد » و « جميعاً » مفعول ثانٍ، أي : مجتمعين.
وقوله :﴿ وَقُلُوبُهُمْ شتى ﴾. جملة حالية، أو مستأنفة للإخبار بذلك.
والعامة على « شتى » بلا تنوين، لأنها ألف تأنيث.
ومن كلامهم :« شَتَّى تئوب الحلبة » أي متفرقين.
وقال آخر :[ الطويل ]
٤٧٥٣- إلَى اللَّهِ أشْكُو نِيَّةً شَقَّتِ العَصَا | هِيَ اليَوْمَ شَتَّى، وهيَ أمْسِ جَمِيعُ |
وفي قراءة ابن مسعود :« وقُلُوبُهُمْ أشتُّ » يعني أشد تشتيتاً أي أشد اختلافاً.
فصل في معنى الآية
معنى ﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ أي : عداوة بعضهم لبعض. قاله ابن عباس.
وقال مجاهد :﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ بالكلام والوعيد لنفعلن كذا.
وقال السُّدي : المراد اختلاف قلوبهم حتى لا يتفقوا على أمر واحدٍ.
وقيل :﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ إذا لم يلقوا عدوًّا نسبوا أنفسهم إلى الشدة والبأس، وإذا لقوا العدو انهزموا.
﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى ﴾.
يعني اليهود والمنافقين. قاله مجاهد. وعنه أيضاً : يعني المنافقين.
وقال الثوري : هم المشركون وأهل الكتاب.
وقال قتادة :﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً ﴾ أي : مجتمعين على أمْر ورأي. ﴿ وَقُلُوبُهُمْ شتى ﴾ : أي : متفرقة فأهل الباطل مختلفة آراؤهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق.
وعن مجاهد أيضاً : أراد أن دين المنافقين مخالف لدين اليهود، وهذا يقوي أنفس المؤمنين عليهم ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ ﴾ أي : ذلك التشتيت والكفر بأنهم قوم لا يعقلون أمر الله.