قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونُواْ ﴾.
العامة : على الخطاب، وأبو حيوة : على الغيبة، على الالتفات.
﴿ نَسُواْ الله ﴾ أي : تركوه ﴿ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ أن يعملوا لها خيراً. قاله المقاتلان.
وقيل : نسوا حق الله، فأنساهم حق أنفسهم. قاله سفيان.
وقيل :« نسُوا اللَّه » بترك ذكره وتعظيمه « فأنساهم أنفسَهُمْ » بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضاً. حكاه ابن عيسى.
وقيل : قال سهل بن عبد الله :« نَسُوا اللَّهَ » عند الذنوب « فَأنسَاهُم أنفُسهُمْ » عند التوبة.
وقيل :« أنْسَاهُمْ أنفسَهُمْ » أي : أراهم يوم القيامة من الأحوال ما نسوا فيه أنفسهم، كقوله تعالى :﴿ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ ﴾ [ إبراهيم : ٤٣ ]، ﴿ وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ ﴾ [ الحج : ٢ ].
ونسب تعالى الفعل إلى نفسه في « أنسَاهُمْ » إذ كان ذلك بسبب أمره ونهيه، كقولك : أحمدت الرجل إذا وجدته محموداً.
وقيل :« نَسُوا اللَّهَ » في الرخاء « فأنَساهُمْ أنفُسُهمْ » في الشدائد.
﴿ أولئك هُمُ الفاسقون ﴾. قال ابن جبير : العاصون.
وقال ابن زيد : الكاذبون، وأصل الفِسْق الخروج، أي : الذين خرجوا عن طاعة الله.
قوله تعالى :﴿ لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة ﴾ أي : في الفضل والرتبة، لما أرشد المؤمنين إلى ما هو مصلحتهم يوم القيامة، بقوله :﴿ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ وهدّد الكافرين بقوله :﴿ كالذين نَسُواْ الله فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ﴾ بين بهذه الآية الفرق بين الفريقين. واعلم أن الفرق بينهما معلوم بالضرورة، وإنما ذكر الفرق في هذا الموضع للتنبيه على عظم ذلك الفرق، ثم [ قال :﴿ أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون ﴾.
وهذا كالتفسير لنفي تساويهما.
و « هم » يجوز أن يكون فصلاً، وأن يكون مبتدأ، فعلى الأول : الإخبار بمفرد، وعلى الثاني : بجملة.
ومعنى « الفَائِزُونَ » المقربون المكرمون.
وقيل : الناجون من النار، ونظير هذه الآية قوله :﴿ لاَّ يَسْتَوِي الخبيث والطيب ﴾ [ المائدة : ١٠٠ ]، وقوله :﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ ﴾ [ السجدة : ١٨ ]، وقوله :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار ] ﴾ [ ص : ٢٨ ].
فصل
احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أن صاحب الكبيرة لا يدخل الجنة بهذه الآية، قالوا : لأن الآية دلت على أن أصحاب النار وأصحاب الجنة لا يستويان، [ فلو دخل صاحب الكبيرة الجنة لكان أصحاب الجنة وأصحاب النار يستويان ]، وهو غير جائز وجوابه معلوم.
فصل في أن المسلم لا يقتل بالذمي
دلت هذه الآية على أن المسلم لا يقتلُ بالذمي كما هو مذكور في كتب الفقه. قوله تعالى :﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ الله ﴾.
وهذا حثّ على تأمل مواعظ القرآن، وبيّن أنه لا عذر في ترك التدبر، فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبالُ مع تركيب العقل فيها لانقادت لمواعظه، ورأيتها على صلابتها ورزانتها خاشعة متصدعة، أي : متشققة من خشية الله.