قوله تعالى :﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ ﴾ الآية.
لما نهى عن مُوالاةِ الكُفَّار ذكر قصة إبراهيم، وأن من سيرته التَّبرؤ من الكُفَّار، أي : فاقتدوا به إلاَّ في الاستغفار لأبيه.
والأسْوَةُ والإسوةُ ما يتأسّى به مثل القُدوة والقِدوة، ويقال : هو أسوتك أي مثلك وأنت مثله وتقدم قراءة « أسوة » في سورة « الأحزاب » والكلام على مادتها.
قوله :﴿ في إِبْرَاهِيمَ ﴾. في أوجه :
أحدها : أنه متعلق ب « أسوة »، تقول : لي أسوة في فلان، ومنع أبو البقاء أن يتعلق بها لأنها قد وصفت.
وهذا لا يبالى به لأنه يغتفر في الظرف ما لا يغتفر في غيره.
الثاني : أنه متعلق ب « حسنة » تعلق الظرف بالعامل.
الثالث : أنه نعتٌ ثانٍ ل « أسوة ».
الرابع : أنه حال من الضمير المستتر في « حسنة ».
الخامس : أن يكون خبر « كَانَ » و « لَكُمْ » تبيين.
قوله :﴿ والذين مَعَهُ ﴾ يعني أصحاب إبراهيم من المؤمنين.
وقال ابن زيدٍ : هم الأنبياء.
قوله :﴿ إِذْ قَالُواْ ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر « كان ».
والثاني : أنه متعلق بخبرها.
قالهما أبو البقاء.
ومن جوز في « كان » أن تعمل في الظرف علقه بها، والمراد بقومهم : الكفار.
قوله :﴿ إِنَّا بُرَءآؤ ﴾.
هذه قراءة العامة - بضم الباء وفتح الراء وألف بين همزتين - جمع « بريء »، نحو « كرماء » في نحو « كريم ».
وعيسى أيضاً وأبو جعفر بضم الباء وهمزة بعد ألف.
وفيه أوجه :
أحدها : أنه جمع بريء أيضاً، والأصل كسر الباء، وإنما أبدل من الكسرة ضمَّة ك « رُخَال، ورُبَاب » قاله الزمخشري.
الثاني : أنه جمع « بريء » أيضاً وأصله :« برآء » كالقراءة المشهورة إلاَّ أنه حذف الهمزة الأولى تخفيفاً. قاله أبو البقاء.
الثالث : أنه اسم جمع ل « بريء » نحو :« تؤام، وظؤار » اسمي جمع ل « توأم، وظِئْر ».
وقرأ عيسى أيضاً بفتح الباء وهمزة بعد ألف، كالتي في « الزخرف »، وصح ذلك لأنه مصدر، والمصدر يقع على الجمع كوقوعه على الواحد.
قال الزمخشري :« والبراء والبراءة كالظماء والظماءة ».
وقال مكي : وأجاز أبو عمرو وعيسى بن عمر :« بِراء » - بكسر الباء - جعلاه ك « كريم وكرام ».
قال القرطبي : هو على وزن « فِعَال » مثل :« قِصَار وقصير »، و « طِوَال وطويل » و « ظراف وظريف » ويجوز ترك الهمزة حتى تقول برآ وتنون.
وأجاز الفراء : بفتح الباء، ثم قال :« وبراءُ » في الأصل مصدر.


الصفحة التالية
Icon