قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ ﴾ أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم السابقة.
وقيل : أتباعكم وأعوانكم.
﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾، أي يتذكر ويعلم أن ذلك حق فيخاف ويعتبر.
( قوله ) ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر ﴾ أي جميع مَا فَعَلَتْهُ الأمم قبلهم من خير وشر فإنه مكتوب عليهم أي في كتب الحفظة. وقيل : في اللوح المحفوظ.
وقيل : في أم الكتاب. قال القرطبي : وهذا بيان لقوله :﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ أي « في الزُّبُرِ » أي في اللوح المحفوظ.
قوله :﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ ﴾ أي كل صغير وكبير مكتوب على عامله قبل أن يفعلوه.
وقرأ العامة مُسْتَطَرٌ بتخفيف الراء من السَّطْر وهو الكَتْب أي مُكْتَتَبٌ يقال : سَطَرْتُ واسْتَطَرْتُ وكَتَبْتُ وَاكْتَتَبْتُ وقرأ الأعمش وعِمْرَانُ بنُ حُدَيْر - وتروى عن عاصمٍ - بتشديدها، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مشتق من طَرّ الشاربُ والنباتُ أي ظَهَرَ وثَبَتَ بمعنى أن كل شيء قَلّ أو كَثُر ظاهرٌ في اللّوح غير خفي، فوزنه مُسْتَفْعَلٌ كمُسْتَخْرجٍ.
والثاني : أنه من الاسْتِطَار كقراءة العامة، وإنما شددت الراء من أجل الوقوف كقولهم : هذا جَعْفَرّ ونفعلّ، ثم أجري الوصل مجرى الوقف فوزنه مُفْتَعَلٌ كقراءة الجمهور.
قوله تعالى :﴿ إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ العامة بالإفراد، وهو اسم جنس بدليل مقارنته للجمع والهاء مفتوحة كما هو الفصيح.
وسكّنها مجاهدٌ والأعرج وأبو السَّمَّال « والفَيَّاض ». وهي لغة تقدم الكلام عليها أول البقرة.
قال ابن جُرَيْجٍ : معنى ( نهر ) أنهار الماء والخَمْر والعَسَل. ووُحِّدَ؛ لأنه رأس آية. ثم الواحد قد ينبىء عن الجمع. وقال الضحاك ليس المراد هنا نهر الماء، وإنما المراد سَعَةُ الأرزاق؛ لأن المادة تدل على ذلك كقول قَيْس بن الخَطِيمِ :

٤٦١٥- مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونها مَا وَرَاءَهَا
أي وسعته. ومنه : أَنْهَرْتُ الجُرْحَ. ومنه : النَّهَار، لضيائه.
وقرأ أبو نهيك وأبو مجْلَز والأعمش وزهير الفُرْقُبيّ - ونقله القرطبي أيضاً عن طَلْحَة بن مُصَرِّف والأعرج وقتادة - :« ونُهُر » بضم النون والهاء وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن يكون نهر بالتحريك وهو الأولى نحو : أُسُد في أَسَدٍ.
والثاني : أن يكون جمع الساكن نحو : سُقُف في سَقْفٍ، ورُهُن في رَهْن. والجمع مناسب للجمع قبله في جَنَّات. وقراءة العامة بإفراده أبلغ، وقد تقدم كلام ابن عباس في قوله تعالى آخر البقرة ﴿ وَمَلائكته وكتابه ﴾ [ البقرة : ٢٨٥ ] بالإِفراد أنه أكثر من الكُتُب، وتقدم أيضاً تقرير الزمخشري لذلك. قال القرطبي ( رحمةُ الله عليه ) كأَنه جمع نهار لا ليل لهم كسَحَاب وسُحُب. قال الفراء : أنشدني بعض العرب :


الصفحة التالية
Icon