فصل
ومعنى الآية : ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن أي : مهورهن، فأباح الله نكاحهن للمسلمين؛ وإن كان لهن أزواج في دار الكفر؛ لأن الإسلام فرق بينهن وبين أزواجهن الكُفَّار.
قال القرطبي : أباح نكاحهنَّ إذا أسلمن، وانقضت عدتهن لما ثبت في تحريم نكاح المشركة المعتدة، فإن أسلمت قبل الدخول ثبت النكاح في الحال.
قوله :﴿ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ الكوافر ﴾.
قرأ أبو عمرو في آخرين بضم التاء وفتح الميم وتشديد السين، وباقي السبعة - بتخفيفها - من « مسَك، وأمسك » بمعنى واحد.
يقال : أمسكت الحبل إمساكاً، ومسَّكته تمسيكاً، وفي التشديد مبالغة، والمخفف صالح لها أيضاً.
وقرأ الحسن، وابن أبي ليلى، وأبو عمرو، وابن عامر في رواية عنهما :« تَمَسَّكُوا » - بالفتح في الجميع وتشديد السين - والأصل :« تَتمسَّكُوا » - بتاءين - فحذفت إحداهما.
وعن الحسن أيضاً :« تَمْسِكُوا » مضارع « مَسَك » ثلاثياً.
والعِصَم : جمع عِصْمَة، والعِصْمَة هاهنا : النِّكاح، يقول : من كانت له كافرة بمكة فلا يعقد بها فقد انقطعت عصمتها.
و « الكوافر » جمع « كافرة »، ك « ضوارب » في « ضاربة » و « صواحب ».
ويحكى عن الكرخي الفقيه المعتزلي أنه قال :« الكوافر » يشمل الرجال والنساء.
قال الفارسي : فقلت له : النحويون لا يرون هذا إلاَّ في النساء جمع كافرة.
فقال أبو علي : أليس يقال : طائفة كافرة وفرقة كافرة؟.
قال أبو عليٍّ : فبهت، وقلت : هذا تأييد إلهي.
قال شهاب الدين : وإنما أعجب بقوله لكونه معتزلياً، والحق أنه لا يجوز كافرة وصفاً للرجال إلا أن يكون الموصوف مذكوراً، نحو : هذه طائفة كافرة، أو في قوّة المذكور، أما أن يقال : طائفة باعتبار الطائفة غير المذكورة، ولا في قوة المذكورة بل لمجرد الاحتمال، ويجتمع جمع « فَاعِلَة » فهذا لا يجوز، وقول الفارسي :« لا يَرَونَ هذا إلا في النِّساءِ » فهذ يصح ولكنه الغالب، وقد يجمع « فاعل » وصف المذكر العاقل على « فواعل » وهو محفوظ نحو :« فوارس ونواكس ».
فصل في المراد بالآية
قال النخعي : المراد بالآية : المرأة المسلمة تلحق بدار الحرب، فتكفر، وكان الكفار يتزوجون المسلمات، والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك بهذه الآية، فطلق عمر بن الخطاب حينئذ امرأتين ب « مكة » مشركتين : قريبة بنت أبي أمية، فتزوجها معاوية بن أبي سفيان، وهما على شركهما ب « مكة »، وأم كلثوم بنت عمرو الخزاعية أم عبد الله بن المغيرة، فتزوجها أبو جهم بن حذافة، وهما على شركهما، فلما ولي عمر، قال أبو سفيان لمعاوية : طلق قريبة، لئلا يرى عمر صلبه في بيتك، فأبى معاوية، وكانت عند طلحة بن عبيد الله أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، ففرق الإسلام بينهما، ثم تزوَّجها في الإسلام خالد بن سعيد بن العاص، وكانت ممن فرت إلى النبي ﷺ من نساء الكفار فحبسها، وتزوجها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية.