وثانيهما : أن المهاجرات يأتين من دار الحرب فلا اطلاع للمبايع على ما في قلبها، فلا بد من الامتحان، وأما المؤمنات، فهن في دار الإسلام، وعلمن الشرائع، فلا حاجة إلى الامتحان مع ظاهر حالها.
فإن قيل : ما الفائدة في تقديم البعض في الآية على البعض وترتيبها؟.
فالجواب : قدم الأقبح على ما هو الأدنى منه في القبح، ثم كذلك إلى آخره، وقدم في الأشياء المذكورة على ما هو الأظهر فيما بينهم.
فصل
قال عبادةُ بن الصامت :« أخذ علينا رسول الله ﷺ كما أخذ على النساء : أنْ لا تُشرِكُوا باللَّه شَيْئاً ولا تَسْرقُوا ولا تزْنُوا ولا تقتلُوا أوْلادكُمْ، ولا يعضه بعضُكُمْ بعضاً، ولا تَعْصُوا في مَعْرُوفٍ آمُرُكمْ بِهِ ».
معنى « يعضه » : يسحر، والعضه : السحر.
ولهذا قال ابن بحر وغيره في قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ ﴾ إنه : السحر.
وقال الضحاكُ : هذا نهي عن البهتان، أن لا يعضه رجل ولا امرأة « بِبُهتَانٍ » أي : بسحر، والجمهور على أن معنى « ببهتان » : بولد، يفترينه « بين أيديهن » : ما أخذته لقيطاً، « وأرجلهن » : ما ولدته من زنا كما تقدم.
فصل في هذا الأمر
قال المهدويُّ : أجمع المسلمون على أنه ليس للإمام أن يشترط عليهن هذا، والأمر بذلك ندب لا إلزام.
وقال بعض العلماء : إذا احتيج إلى المِحْنَةِ من أجل تباعد الدَّار كان على إمام المسلمين إقامة المحنة.
قوله :﴿ فَبَايِعْهُنَّ واستغفر لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
قالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي ﷺ يبايع النساء بالكلام بهذه الآية :﴿ أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً ﴾ قالت : وما مسَّتْ يَدُ رسُول الله ﷺ إلا يد امرأة يملكها.
وقالت [ أميمة ] بنت رقيقة :« بايعت رسول الله ﷺ في نسوة، فقالت :» فِيْمَا اسْتطعْتُنَّ وأطَعْتُنَّ «، فقلت : يا رسول الله صافحنا، فقال :» إنِّي لا أصَافِحُ النِّساءَ، إنَّما قَوْلِي لامرأةٍ كَقوْلِي لمِائةِ امرأة «