قال ابن العربي : وهذا كله ثابت في الدين، أما قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ ﴾ فثابتٌ في الدين لفظاً ومعنى في هذه السورة، وأما قوله : شهادة في أعناقكم عنها يوم القيامة، فمعنى ثابت في الدين، فإن من التزم شيئاً لزمه شرعاً، والملتزم على قسمين :
[ أحدهما : النذر، وهو ] على قسمين :
نذر تقرب مبتدأ، كقوله : لله عليّ صلاة أو صوم أو صدقة، ونحوه من القرب، فهذا يلزم الوفاء به إجماعاً.
ونذر مباح، وهو ما علق به شرط رغبة، كقوله : إن قدم غائبي فعلي صدقة، أو علق بشرط رهبة، كقوله : إن كفاني الله شر كذا فعليَّ صدقة، ففيه خلاف : فقال مالك وأبو حنيفة : يلزم الوفاء به.
وقال الشافعي في قول : لا يلزم الوفاء به.
وعموم الآية حجة لنا؛ لأنها بمطلقها تتناول ذم من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق، أو مقيد بشرط.
وقد قال أصحابه : إن النذر إنَّما يكون بما يقصد منه القربة مما هو من جنس القربة، وهذا وإن كان من جنس القربة، لكنه لم يقصد منه القربة، وإنما قصد منه منع نفسه عن فعل، أو من الإقدام على فعل.
قلنا : القرب الشرعية مقتضيات وكلف وإن كانت قربات، وهذا تكلف التزام هذه القربة بمشقة كجلب نفع أو دفع ضرر، فلم يخرج عن سنن التكليف، ولا زال عن قصد التقرب.
قال ابن العربي :« فإن كان المقول منه وعداً فلا يخلو أن يكون منوطاً بسبب كقوله : إن تزوجت أعنتك بدينار، أو ابتعت جارية كذا أعطيتك، فهذا لازم إجماعاً من الفقهاء، وإن كان وعداً مجرداً.
فقيل : يلزم بتعلقه، واستدلوا بسبب الآية، فإن روي أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله لعملناه، فأنزل الله هذه الآية، وهو حديث لا بأس به.
وروي عن مجاهد أن عبد الله [ بن رواحة ] لما سمعها قال :» لا أزال حبيساً في الله حتى أقتل «.
والصحيح عندي أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال ».