الثالث : أن الفاعل محذوف، وأن « مثل القوم » هو المخصوص بالذَّم، وتقديره : بئس المثل مثل القوم، ويكون الموصول نعتاً للقوم أيضاً، وإليه ينحو كلام ابن عطية فإنه قال : والتقدير ﴿ بئس المثل مثل القوم ﴾.
وهذا فاسد : لأنه لا يحذف الفاعل عند البصريين إلاَّ في مواضع ثلاثة ليس هذا منها، اللهم إلا أن يقول بقول الكوفيين.
الرابع : أن يكون التمييز محذوفاً، والفاعل المفسر به مستتر، تقديره :« بئس مثلاً مثل القوم » وإليه ينحو كلام الزمخشري فإنه قال :« بئس مثلاً مثل القوم ».
فيكون الفاعل مستتراً مفسراً ب « مَثَلاً »، و « مثلْ القَوْمِ » هو المخصوص بالذم، والموصول صفة له، وحذف التمييز، وهذا لا يجيزه سيبويه وأصحابه ألبتة.
نصوا على امتناع حذف التمييز، وكيف يحذف وهو مبين.
فصل
قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما الحكمة في تعيين الحمار من دون سائر الحيوانات؟.
فالجواب من وجوه :
أحدها : أنه تعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة، كما قال تعالى :﴿ والخيل والبغال والحمير لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ [ النحل : ٨٧ ]، والزينة في الخيل أظهر وأكثر بالنسبة إلى الركوب والحمل عليه، وفي البغال دون الخيل، وفي الحمير دون البغال، فالحمار كالمتوسط في المعاني الثلاثة، وحينئذ يكون الحمار في معنى الحمل أظهر وأغلب بالنسبة إلى الخيل والبغال وغيرهما من الحيوانات.
وثانيها : أن هذا التمثيل لإظهار الجهل والبلادة لأولئك القوم، والحمار يمثل به في الجهل والبلادة.
وثالثها : أن في الحمار من الحقارة ما ليس في غيره من الحيوانات. والغرض من الكلام هاهنا تحقير القوم وتعييرهم، فيكون تعيين الحمار أليق.
ورابعها : أن حمل الأسفار على الحمار أسهل وأعمّ وأسهل لسرعة انقياده، فإنه ينقاد للصبي الصغير من غير كلفة، وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره.
وخامسها : أن رعاية الألفاظ والمناسبة من لوازم الكلام [ وبين ] لفظ الأسفار والحمار مناسبة لفظة [ لا توجد ] في غيره من الحيوانات فيكون ذكره أولى.
فصل
قال القرطبي :« معنى الكلام : بئس مثل القوم المثل الذي ضربناه لهم فحذف المضاف ﴿ والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين ﴾ الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الأنبياء يعني من سبق في علمه أنه يكون كافراً ».