« بعث النبي ﷺ عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغدا أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول الله ﷺ ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي ﷺ رآه فقال :» مَا مَنَعَكَ أن تَغْدُوَ مَعَ أًصْحَابِكَ «، قال : أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم، فقال :» لَوْ أنفقْتَ مَا فِي الأرْضِ مَا أدْرَكْتَ «. فصلى غدوتهم ».
وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً عليه أهبة السفر، يقول : لولا أن اليوم الجمعة لخرجت، فقال له عمر : اخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفرٍ.
قوله :﴿ وَذَرُواْ البيع ﴾.
يدل على تحريم البيع في وقت الجمعة على من كان مخاطباً بفرضها، والبيع لا يخلو عن شراء فاكتفى بذكر أحدهما، كقوله :﴿ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ ﴾ [ النحل : ٨١ ] وخص البيع لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق، ومن لا يجب عليه حضور الجمعة، فلا ينهى عن البيع والشراء.
وفي وقت التحريم قولان :
أحدهما : أنه من بعد الزَّوال إلى الفراغ منها. قاله الضحاك، والحسن، وعطاء.
الثاني : أنه من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصَّلاة. قاله الشافعي.
قال القرطبي :« ومذهب مالك أن البيع يفسخ إذا نودي للصلاة، ولا يفسخ العتق والنكاح والطلاق وغيره، إذ ليس من عادة الناس اشتغالهم به كاشتغالهم بالبيع، قال : وكذلك الشرك والهبة والصدقة نادر لا يفسخ ».
قال ابن العربي :« والصحيح فسخ الجميع؛ لأن البيع إنما منع منه للاشتغال به فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعاً مفسوخ ».
وحمل بعضهم النهي على الندب لقوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾، وهو مذهب الشافعي؛ فإن البيع عنده ينعقد ولا يفسخ.
وقال الزمخشري : إن عامة العلماء على أن ذلك النهي لا يؤدي إلى فساد البيع، قالوا : لأن البيع لم يحرم لعينه، ولكن لما فيه عن الذُّهُول عن الواجب، فهو كالصلاة في الدار والثوب والمغضوب، والوضوء بماء مغصُوب.
قال القرطبي :« والصَّحيح فساده وفسخه لقوله - ﷺ - » كُلُّ عملٍ ليْسَ عليْهِ أمْرُنَا فهُو ردٌّ « أي : مردود.
ثم قال :» ذَلِكُمْ « أي : ذلك الذي ذكرت من حضور الجمعة وترك البيع ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ من المبايعة ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ مصالح أنفسكم.
قوله :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِي الأرض ﴾.
هذا أمر إباحة كقوله :﴿ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فاصطادوا ﴾ [ المائدة : ٢ ]، والمعنى : إذا فرغتم من الصلاة ﴿ فانتشروا فِي الأرض ﴾ للتجارة والتصرف في حوائجكم ﴿ وابتغوا مِن فَضْلِ الله ﴾ أي : من رزقه.
وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك، وصلّيت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك رزقاً حلالاً وأنت خير الرازقين.