قوله :﴿ واذكروا الله كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ أي : بالطاعة واللسان، وبالشكر على ما أنعم به عليكم من التوفيق لأداء فرائضه ﴿ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [ كي تفلحوا ].
وقال سعيد بن جبير : الذكر طاعة الله، فمن أطاع الله فقد ذكره؛ ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن كان كثير التسبيح.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : ما الفرق بين ذكر الله أولاً وذكر الله ثانياً؟.
فالجواب : أن الأول من جملة ما لا يجتمع مع التجارة أصلاً إذ المراد منه الخطبة والصلاة والثاني من جملة ما يجتمع مع التجارة كما في قوله تعالى :﴿ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله ﴾ [ النور : ٣٧ ].
قوله :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾.
روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن النبي ﷺ كان يخطب قائماً يوم الجمعة فجاءت عير من « الشام » فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثني عشر رجلاً، وفي رواية : أنا فيهم، فنزلت هذه الآية :﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً ﴾.
وذكر الكلبي : أن الذي قدم بها دحية بن خليفة الكلبي من « الشام » في مجاعةٍ وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاج إليه الناس من برّ ودقيق وغيره فنزلت عند أحجار الزيت وضرب بالطبل ليعلم الناس بقدومه فخرج الناس إلا اثني عشر رجلاً وقيل إلا أحد عشر رجلاً وحكى البغوي قال : فلما رأوه قاموا إليه خشية أن يسبقوا إليه قال الكلبي وكانوا في خطبة الجمعة فانفضوا إليه وبقي مع رسول الله ﷺ ثمانية رجال حكاه الثعلبي عن ابن عباس وذكر الدارقطني من حديث جابر قال : بينما رسول الله ﷺ يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير تحمل الطعام حتى نزلت بالبقيع فالتفتوا إليها وتركوا رسول الله ﷺ ليس معه إلاّ أربعين رجلاً أنا منهم قال : وأنزل الله تعالى على النبي ﷺ ﴿ وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً ﴾ قال الدارقطني لم يقل في هذا الآثار إلاّ أربعين رجلاً غير علي بن عاصم بن حصين وخالفه أصحاب حصين فقالوا لم يبق مع النبي ﷺ إلاّ اثني عشر رجلاً. واحتج بهذا الحديث من يرى أن الجمعة تنعقد باثني عشر رجلاً وليس فيه بيان أنه أقام بهم الجمعة وذكر الزمخشري أن النبي صلى الله عيله وسلم قال :