ولو اجتمع العالم ليبيّنوا سبب حركتهما على هذا التقدير المعين لعجزوا، وقالوا : إن الله حركهما بالإرادة كما أراد.
وقيل : لما ذكر معجزة القرآن بإنزاله أنكروا نزول الجرم من السماء وصعوده إليها، فأشار تعالى بحركتهما إلى أنها ليست بالطبيعة.
وهم يقولون بأن الحركة الدّورية من أنواع الحركات لا يكون إلا اختيارياً، فقال تعالى : من حرّكهما على الاستدارة أنزل الملائكة على الاستقامة، والثقيل على مذهبكم لا يصعد، وصعود النَّجم والشجر إنما هو بقدرة الله تعالى، فحركة الملك كحركة الفلك جائزة.

فصل في جريان الشمس والقمر


قال المفسرون :[ المعنى ] يجريان بحسبان معلوم فأضمر الخبر.
قال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : يجريان بحساب في منازل لا تعدوها ولا يحيدان عنها.
وقال ابن زيد وابن كيسان : بهما تحسب الأوقات والأعمار، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يجد شيئاً إذا كان الدهر كله ليلاً أو نهاراً.
وقال السدي :« بحسبان » تقدير آجالهما، أي : يجريان بآجال كآجال الناس، فإذا جاء أجلهما هلكا، نظيره :﴿ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ [ الرعد : ٢ ].
وقال الضحاك : بقدر.
وقال مجاهد :« بحسبان » كحُسْبَان الرَّحى يعني : قطعها، يدوران في مثل القُطْب.
والحُسْبَان : قد يكون مصدر « حسبته أحسبُه بالضم حَسْباً وحِسَاباً وحُسْبَاناً » مثل الغُفْرَان والكُفْران والرُّجحان.
وحسبته أيضاً : أي عددته.
وقال الأخفش : ويكون جماعة الحساب، مثل « شِهَاب، وشُهْبَان ».
والحُسْبَان - بالضم - أيضاً : العذاب والسِّهام القصار، الواحدة : حُسْبَانة.
والحُسْبانة أيضاً : الوِسادَة الصغيرة تقول منه :« حَسَّبْتُهُ » إذا وسدته. قال :[ مجزوء الكامل ]
٤٦١٩-.................... لَثَوَيْتَ غَيْرَ مُحَسَّبِ
أي غير مُوسَّد، يعني : غير مكرم ولا مكفن.
قوله تعالى :﴿ والنجم والشجر يَسْجُدَانِ ﴾ [ الرحمن : ٦ ].
قال ابن عباس وغيره : النَّجْم : ما لا ساق له، والشَّجر : ما له ساق.
وأنشد ابن عباس قول صفوان التيمي :[ الطويل ]
٤٦٢٠- لَقَدْ أنجمَ القَاعُ الكَبيرُ عِضَاههُ وتَمَّ بِهِ حيَّا تَميمٍ ووَائِلِ
وقال زهير بن أبي سُلْمَى :[ البسيط ]
٤٦٢١- مُكَلَّلٌ بأصُولِ النَّجْمِ تَنْسِجُهُ رِيحُ الجَنُوبِ لِضاحِي مَائِهِ حُبُكُ
واشتقاق النجم من « نَجَمَ الشيء يَنْجُمُ » - بالضم - نُجُوماً : ظهر وطلع.
ومنه : نَجَمَ نابُ البعير، أي : طلع. وسجودهما : سجود ظلالهما؛ قاله الضحاك. وقال الفرّاء : سجودهما أنهما يستقبلان إذا طلعت، ثم يميلان معهما حتى ينكسر الفيء.
وقال الزجاج : سجودهما : دوران الظِّل معهما، كما قال :﴿ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ ﴾ [ النحل : ٤٨ ].
وقال الحسن ومجاهد : النجم نجم السماء، وسجوده في قول مجاهد :« دوران ظله » وهو اختيار الطبري، حكاه المهدوي.
وقيل : سجود النجم : أفوله، وسجود الشجر : إمكان الاجتناء لثمارها، حكاه الماوردي.
والأول أظهر.
وقيل : إن جميع ذلك مسخر لله تعالى، فلا تعبدوا النجم كما عبد قوم من الصَّابئين النجوم، وعبد كثير من العجم الشجر.


الصفحة التالية
Icon