قوله :﴿ فاحذرهم ﴾. فيه وجهان :
أحدهما : فاحذر أن تثق بقولهم، أو تميل إلى كلامهم.
الثاني : فاحذر ممايلتهُم لأعدائك، وتخذيلهم لأصحابك.
﴿ قَاتَلَهُمُ الله ﴾.
قال ابن عباس : أي : لعنهم الله.
قال أبو مالك : هي كلمةُ ذمٍّ وتوبيخ.
وقد تقول العرب : قاتله اللَّه ما أشعرهُ، فيضعونه موضع التعجب.
وقيل : معنى ﴿ قَاتَلَهُمُ الله ﴾ أي : أحلَّهُم محلَّ من قاتله عدو قاهر، لأن الله تعالى قاهرٌ لكلِّ معاندٍ. حكاه ابن عيسى.
قوله :﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾.
« أنى » بمعنى : كيف.
قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون « أنى » ظرفاً ل « قاتلهم »، كأنه قال : قاتلهم الله كيف انصرفوا، أو صرفوا، فلا يكون في القولِ استفهام على هذا. انتهى.
قال شهاب الدين : وهذا لا يجوز؛ لأن « أنَّى » إنما تستعمل بمعنى « كيف »، أو بمعنى « أين » الشرطية أو الاستفهامية، وعلى التقادير الثلاثة فلا تتمحض للظرف، فلا يعمل فيها ما قبلها ألبتَّة كما لا يعملُ في أسماءِ الشرط والاستفهام.

فصل


قال ابن عباس :« أنَّى يؤفكُونَ » أي : يكذبون.
وقال قتادة : أي يعدلون عن الحق.
وقال الحسن : يُصْرفُونَ عن الرشدِ.
وقيل : معناه كيف تضل عقولهم على هذا مع وضوح الدَّلائل، وهو من الإفك.
قوله :« أنَّى » بمعنى :« كيف »، وقد تقدم.
قوله :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ ﴾.
هذه المسألة عدها النحاة من الإعمال، وذلك أن « تعالوا » يطلب « رسُولُ اللَّهِ » مجروراً ب « إلى » أي : تعالوا إلى رسول الله.
و « يَستَغْفِرْ » يطلبه فاعلاً، فأعمل الثاني، ولذلك رفعه، وحذف من الأول، إذ التقديرُ : تَعَالوا إليْهِ. ولو أعمل الأول لقيل : تعالوا إلى رسول الله يستغفر، فيضمر في « يستغفر » فاعل.
ويمكن أن يقال : ليست هذه من الإعمالِ في شيء؛ لأن قوله « تعالوا » أمر بالإقبال من حيث هو، لا بالنظر إلى مقبل عليه.
قوله :﴿ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ ﴾ هذا جواب « إذا ».
وقرأ نافع :« لَوَوْا » مخففاً، والباقون مشدداً على التكثير.
و « يَصُدُّونَ » حالٌ؛ لأن الرؤية بصرية، وكذا قوله :« وهُمْ يَسْتَكبرُونَ » حال أيضاً، إما من أصحاب الحال الأولى، وإما من فاعل « يصدون » فتكون متداخلة.
وأتي ب « يَصُدُّون » مضارعاً دلالة على التجدُّدِ والاستمرارِ.
وقرىء :« يَصِدُّونَ » بالكسر.
وقد تقدمتا في « الزخرف ».

فصل في نزول الآية


لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاقِ فتوبوا إلى رسول الله ﷺ من النفاق، واطلبوا أن يستغفر لكم، فلوو رءوسهم أي : حرَّكُوها استهزاء وإباء.


الصفحة التالية
Icon