وقيل : على هذا الميزان القرآن، لأن فيه بيان ما يحتاج إليه.
وهو من قول الحسين بن الفضل.
وقال الحسن وقتادة - أيضاً - والضحاك : هو الميزان الذي يوزن به لينتصف به الناس بعضهم من بعض، وهو خبر بمعنى الأمر بالعدل يدل عليه قوله تعالى :﴿ وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط ﴾ [ الرحمن : ٩ ].
والقسْط هو العَدْل، وقيل : هو الحكم.
وقيل : المراد وضع الميزان في الآخرة لوزن الأعمال. وأصل « ميزان » « يوزان ». وقد مضى القول فيه في « الأعراف ».
قال ابن الخطيب : قوله :« ووَضَعَ المِيزانَ » إشارة إلى العدل، كقوله :﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب والميزان ﴾ [ الحديد : ٢٥ ] أي : ليعلموا بالكتاب، ويعملوا بالميزان، فكذا هنا « عَلَّمَ القُرآن » ووضع الميزانَ، فالمراد ب « الميزان » : العدل بوضعه شرعة، كأنه قيل : شرع العدل لئلا تطغوا في الميزان الذي هو آلة العَدْل، هذا هو المنقول، قال : والأولى العكس كالأول وهو الآلة، والثاني : بمعنى الوزن، أو بمعنى العدل.
قوله :﴿ أَلاَّ تَطْغَوْاْ ﴾، في « أنْ » هذه وجهان :
أحدهما : أنها الناصبة، و « لا » بعدها نافية، و « تطغوا » منصوب ب « أن »، و « أن » قبلها لام العلة مقدّرة تتعلق بقوله :« ووضَعَ المِيزانَ »، التقدير :« لئلاَّ تَطغَوا »، كقوله تعالى :﴿ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ ﴾ [ النساء : ١٧٦ ].
وأجاز الزمخشري وابن عطية : أن تكون المفسرة، وعلى هذا تكون « لا » ناهية، والفعل مجزوم بها.
قال القرطبي : فلا يكون ل « أنْ » موضع من الإعراب، فتكون بمعنى « أي »، و « تطغوا » مجزوم بها كقوله :﴿ وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا ﴾ [ ص : ٦ ]، أي :« امْشُوا ».
إلا أن أبا حيان رد هذا القول بأن شرط التفسيرية تقدم جملة متضمنة لمعنى القول، وليست موجودة.
قال شهاب الدين :« وإلى كونها مفسرة ذهب مكي، وأبو البقاء، إلا أن أبا البقاء كأنه تنبه للاعتراض، فقال :» وأن - بمعنى أي - والقول مقدر «.
فجعل الشيء المفسر ب »
أن « مقدراً لا ملفوظاً به، إلا أنه قد يقال إن قوله » والقول مقدر « ليس بجيّد؛ لأنها لا تفسر القول الصريح، فكيف يقدر ما لا يصحّ تفسيره، فإصلاحه أن يقول : وما هو بمعنى القول مقدر ».

فصل في الطغيان في الميزان


والطغيان مجاوزة الحد، فمن قال : الميزان العدل، قال : الطغيان الجور ومن قال : إنه الميزان الذي يوزن به، قال : طغيانه النّجس.
قال ابن عباس : لا تخونوا من وزنتم له.
وعنه أيضاً أنه قال : يا معشر الموالي وليتم أمرين بهما هلك الناس : المكيال والميزان.
ومن قال : إنه طغيان الحكم، قال : طغيانه التحريف.


الصفحة التالية
Icon