فصل


لما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكفار فقال :
﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ أي : بإرادته وقضائه.
وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله.
وقيل : إلا بعلم الله.
وقيل : سبب نزول هذه الآية : أنَّ الكُفَّار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقًّا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا فبيّن الرب تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل يقتضي همّاً أو يوجب عقاباً آجلاً أو عاجلاً فبعلم الله وقضائه.
فإن قيل : بم يتصل قوله :﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ ؟.
فالجواب : يتعلق بقوله :﴿ فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ ﴾ [ التغابن : ٨ ] كما أن من يؤمن بالله يصدق بأنه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله.
قوله :﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله ﴾ يصدق ويعلم أنه لا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله ﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ للصبر والرضا.
وقيل : يثبته على الإيمان.
وقال أبو عثمان الجيزي : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة.
وقيل :﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ عند المصيبة فيقول :﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [ البقرة : ١٥٦ ]. قال ابن جبير.
وقال ابن عباس : هو أن يجعل في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال الكلبي : هو إذا ابتلي صبر وإذا أنْعِمَ عليه شكر وإذا ظلم غفر.
وقيل :﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ إلى نَيْل الثَّواب في الجنَّة.
قوله :﴿ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾.
قراءة العامة : بالياء مجزوماً جواباً للشرط لتقدم ذكر الله.
وابن جبير وابن هرمز طلحة والأزرق : بالنون على التعظيم.
والضحاك وأبو حفص وأبو عبد الرحمن وقتادة :« يُهْدَ » مبنياً للمفعول « قَلْبُهُ » قائم مقام الفاعل.
ومالك بن دينارٍ، وعمرو بن دينار، وعكرمة :« يَهْدَأ » بهمزة ساكنة « قلبه » فاعل به، بمعنى يطمئن ويسكن.
وعمرو بن فائد :« يَهْدَا » بألف مبدلة من الهمزة كالتي قبلها، ولم يحذفها نظراً إلى الأصل، وهي أفصح اللغتين.
وعكرمة ومالك بن دينار أيضاً :« يَهْدَ » بحذف هذه الألف إجراء لها مُجرى الألف الأصلية، كقول زهير :[ الطويل ]
٤٧٧٩ - جَرِيءٌ مَتَى يُظْلَمُ يُعَاقِبْ بظُلْمِهِ سريعاً، وإلاَّ يُبْدَ بالظُّلْمِ يَظْلِمِ
وقد تقدم إعراب ما قبل هذه الآية وما بعدها.
﴿ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾. لا يخفى عليه تسليم من انقاد لأمره، ولا كراهة من كرهه.
قوله :﴿ وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول ﴾. أي : هونوا على أنفسكم المصائب واشتغلوا بطاعة الله واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول في العمل بسنته ﴿ فَإِن تَولَّيْتُمْ ﴾ عن الطاعة فليس على الرسول إلا البلاغ المبين.
قوله :﴿ الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾. أي : لا معبود سواه، ولا خالق غيره.
قال ابن الخطيب :« قوله ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ يحتمل أن يكون من جملة ما تقدم من الأوصاف الجميلة بحضرة الله تعالى من قوله :﴿ لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ التغابن : ١ ]، فإن من كان موصوفاً بهذه الأوصاف هو الذي لا إله إلا هو ».
قوله :﴿ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾.
قال الزمخشري : هذا بعث لرسول الله ﷺ على التوكل عليه حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه.


الصفحة التالية
Icon