قال ابن الخطيب : وقيل : أعلم الله تعالى أن الأموال والأولاد من جملة ما تقع به الفتنة، وهذا عام يعم جميع الأولاد، فإن الإنسان مفتون بولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببه وباشر الفعل الحرام لأجله كغصب مال الغير وغيره.
قوله :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
روى الطَّبري عن عكرمة في قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمنوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم ﴾. قال : كان الرجل يريد أن يأتي النبي ﷺ فيقول أهله : أين تذهب وتدعنا؟.
قال : فإذا أسلم وفَقُهَ قال : لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر فلأفعلن ولأفعلن. قال : فأنزل الله - تعالى - ﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾.
وقال مجاهد في هذه الآية : ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم لهم على أن اتخذوا لهم الحرام فأعطوه إياهم.
والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد، وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم.
قوله :﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾.
أي : بلاء واختبار يحملكم على كسب الحرام ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله.
وفي الحديث :« يُؤتى بِرَجُلٍ يوم القِيامَةِ، فيُقال : أكَلَ عياله حَسَنَاته ».
وقال بعض السلف : العيال سوس الطاعات.
وقال ابن مسعود : لا يقولن أحدكم، اللهم اعصمني من الفتنة، فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال ولا ولد إلا وهو مشتمل على فتنةٍ، ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مُضلاّت الفتن.
وقال الحسنُ في قوله تعالى :﴿ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ﴾، أدخل « من » للتبعيض؛ لأن كلهم ليسوا بأعداء، ولم يذكر من في قوله تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ ؛ لأنهما لا يخلوان من الفتنة، واشتغال القلب بهما.
روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال :« رأيت النبي ﷺ يخطب، فجاء الحسن والحُسَين - رضي الله عنهما - وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله ﷺ فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال : صدق الله - تعالى - :﴿ إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ نظرتُ إلى هذينِ الصَّبيَّين يمشيان ويعثُرانِ فلمْ أصْبِرْ حتَّى قطعتُ حديثي ورَفعتُهُمَا ثُمَّ أخَذَا في خُطْبَتِهِ ».
﴿ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾. يعني : الجنة، فلا أعظم أجراً منها.
قوله :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾.
قال قتادة، والربيع بن أنس، والسُّدي، وابن زيد : هذه الآية ناسخة لقوله ﴿ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ].
ذكر الطبري عن ابن زيد في قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٠٢ ] قال : جاء أمر شديد، قال : ومن يعرف هذا ويبلغه، فلما عرف الله أنه اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم، وجاء بهذه الآية الأخرى فقال :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾.