قوله :﴿ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ﴾.
قال ابن عباس، وابن عمر، والحسن، والشعبي، ومجاهد : هو الزِّنا، فتخرج ويقام عليها الحد.
وعن ابن عباس أيضاً : أنه البذاء على أحمائها، فيحل لهم إخراجها.
وعن سعيد بن المسيب أنه قال في فاطمة : تلك امرأة استطالت على أحمائها بلسانها فأمرها النبي - ﷺ - أن تنتقل.
وفي كتاب أبي داود، قال سعيد : تلك امرأة فتنت النَّاس، إنها كانت لسنةً فوضعت على يدي أم مكتوم الأعمى.
قال عكرمة : في مصحف أبيٍّ ﴿ إلا أن يفحشن عليْكم ﴾.
ويقوي هذا أن محمد بن إبراهيم بن الحارث روي أن عائشة قالت لفاطمة بنت قيس : اتَّقي الله، فإنك تعلمين لم أخرجت.
وعن ابن عبَّاس أيضاً : أن الفاحشة كل معصية كالزِّنا والسرقة والبذاء على الأهل، وهو اختيار الطبري.
وعن ابن عباس أيضاً والسدي :« الفاحشة خروجها من بيتها في العدة ».
وتقدير الآية : إلا أن يأتين بفاحشة لخروجهن من بيوتهن بغير حق، أي : لو خرجت كانت عاصية.
وقال قتادة :« الفاحشة » النشوز، وذلك أن يطلقها على النُّشوز، فتتحول عن بيته.
وقال ابن العربي : أما من قال : إنه الخروج للزنا، فلا وجه له؛ لأن ذلك الخروج هو خروج القَتْل والإعدام، وليس ذلك بمستثنى في حلال ولا حرام، وأما من قال : إنه البذاء، فهو معتبر في حديث فاطمة بنت قيس، وأما من قال : إنه كل معصية فوهم، لأن الغيبة ونحوها من المعاصي لا تبيح الإخراج ولا الخروج، وأما من قال : إنه الخروج بغير حقًّ فهو صحيح، وتقدير الكلام : لا تخرجوهن من بيوتهن، ولا يخرجن شرعاً إلا أن يخرجن تعدِّياً.
قوله :﴿ مُّبَيِّنَةٍ ﴾.
قرىء : بكسر الياء.
ومعناه : أن الفاحشة إذا تفكَّرت فيها تبين أنها فاحشة.
وقرىء : بفتح الياء المشددة.
والمعنى : أنها مبرهنة بالبراهين، ومبينة بالحُجَجِ.
قوله :﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ الله ﴾.
أي : هذه الأحكام المبينة أحكام الله على العباد، وقد منع التجاوز عنها، فمن تجاوزها فقد ظلم نفسه وأوردها مورد الهلاك.
قوله :﴿ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ الله يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ﴾.
الأمر الذي يحدث الله أن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليها فيراجعها.
وقال جميع المفسرين : أراد بالأمر هنا الرغبة في الرجعة، ومعنى الكلام : التحريض على طلاق الواحدة والنهي عن الثلاث، فإنه إذا طلق ثلاثاً أضر بنفسه عند الندم على الفراق والرغبة في الارتجاع فلا يجد للرجعة سبيلاً.
وقال مقاتل :« بعد ذلك » أي بعد طلقة أو طلقتين « أمراً » أي : المراجعة من غير خلاف.
قوله :﴿ لَعَلَّ الله ﴾.
هذه الجملة مستأنفة، لا تعلُّق لها بما قبلها، لأن النحاة لم يعدوها في المعلقات.
وقد جعلها أبو حيَّان مما ينبغي أن يعد فيهن، وقرر ذلك في قوله :﴿ وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ ﴾ [ الأنبياء : ١١١ ].
فهناك يطلب تحريره.


الصفحة التالية
Icon