قوله :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾.
أن من فوّض إليه أمره كفاهُ ما أهمَّه.
وقيل : من اتقى الله وجانب المعاصي وتوكل عليه فله فيما يعطيه في الآخرة من ثوابه كفاية، ولم يرد الدنيا؛ لأن المتوكل قد يصاب في الدنيا وقد يقتل.
وقال - ﷺ - :« لَوْ أنَّكُمْ تَتوكَّلُونَ على اللَّهِ حقَّ تَوكُّلِهِ لرزقَكُم كَمَا يَرزقُ الطَّيْر تَغْدُو خِمَاصاً وتَرُوحُ بِطَاناً ».
قوله :﴿ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾.
قرأ حفص :« بَالِغُ » من غير تنوين « أمْرِهِ » مضاف إليه على التخفيف.
والباقون : بالتنوين والنصب، وهو الأصل، خلافاً لأبي حيان.
وقرأ ابن أبي عبلة وداود بن أبي هند، وأبو عمرو في رواية :« بَالِغٌ أمْرُهُ » بتنوين « بالغ » ورفع « أمره ».
وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون « بالغ » خبراً مقدماً، و « أمره » مبتدأ مؤخر، والجملة خبر « إن ».
والثاني : أن يكون « بالغ » خبر « إن » و « أمره » فاعل به.
قال الفراء : أي : أمره بالغ.
وقيل :« أمره » مرتفع ب « بالغ » والمفعول محذوف، والتقدير : بالغ أمره ما أراد.
وقرأ المفضل :« بالغاً » بالنصب، « أمرُه » بالرفع. وفيه وجهان :
أظهرهما : وهو تخريج الزمخشري : أن يكون « بالغاً » نصباً على الحال، و ﴿ قَدْ جَعَلَ الله ﴾ هو خبر « إن » تقديره : إن الله قد جعل لكل شيء قدراً بالغاً أمره.
والثاني : أن يكون على لغة من ينصب الاسم والخبر بها، كقوله :[ الطويل ]

٤٧٨٢ -......................... ............... إنَّ حُرَّاسنَا أسْدَا
ويكون « قَدْ جَعَلَ » مستأنفاً كما في القراءة الشهيرة.
ومن رفع « أمره » فمفعول « بالغ » محذوف، تقديره : ما شاء، كما تقدم في القرطبي.

فصل في معنى الآية


قال مسروق : يعني قاضٍ أمره فيمن توكل عليه وفيمن لم يتوكل عليه إلا أن من توكل عليه يكفر عنه سيئاته، ويعظم له أجراً.
قوله :﴿ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾.
قيل : إن من قوله تعالى :﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ إلى قوله :﴿ مَخْرَجاً ﴾ آية، ومنه إلى قوله تعالى :﴿ قَدْراً ﴾ آية أخرى، وعند الكوفي والمدني المجموع آية واحدة.
وقرأ جناح بن حبيش :« قَدراً » بفتح الدال.
والمعنى : لكل شيء من الشدة والرخاء أجلاً ينتهي إليه.
وقيل : تقديراً.
وقال السدي : هو قدر الحيض في الأجل والعدة.
وقال عبد الله بن رافع : لما نزل قوله تعالى :﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ فقال أصحاب النبي ﷺ :« فَنَحْنُ إذَا توكلنَا عليْهِ يُرسِلُ مَا كَانَ لَنَا وَلاَ نَحْفَظُهُ »، فنزلت :﴿ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ ﴾ فيكم وعليكم.
وقال الربيع بن خيثم : إنَّ الله قضى على نفسه أن من توكل عليه كفاه، ومن آمن به هداه، ومن أقرضه جازاه، ومن وثق به نجَّاه، ومن دعاه أجاب له.
وتصديق ذلك في كتاب الله :﴿ وَمَن يُؤْمِن بالله يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ [ التغابن : ١١ ]، ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾، ﴿ إِن تُقْرِضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ﴾ [ التغابن : ١٧ ]، ﴿ وَمَن يَعْتَصِم بالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [ آل عمران : ١٠١ ]، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ].


الصفحة التالية
Icon