وقال أبو حنيفة : أذا أطلق حمل على المأكول والمشروب، دون الملبوس، وكانت يميناً توجب الكفارة.
وقال زفر : هو يمين في الكل، حتى في الحركة والسكون، واستدل المخالف بأن النبي ﷺ حرَّم العسل، فلزمته الكفَّارة، وقد قال تعالى :﴿ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ فسماه يميناً.
قال القرطبي : ودليلنا قول الله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ وَلاَ تعتدوا ﴾ [ المائدة : ٨٧ ]. وقوله تعالى :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ ﴾ [ يونس : ٥٩ ].
فذم اللَّهُ المُحَرِّمَ للحلال، ولم يوجب عليه كفارة.
قال الزجاجُ : ليس لأحدٍ أن يحرم ما أحلَّ الله، ولم يجعل لنبيه ﷺ أن يحرم إلا ما حرم الله عليه.
فمن قال لزوجته أو أمته، أنت عليَّ حرام، فإن لم يَنْوِ طلاقاً، ولا ظهاراً فهذا اللفظ يوجب عليه كفارة يمين، ولو خاطب بهذا اللفظ جمعاً من الزوجات والإماء، فعليه كفارة واحدة.
ولو حرم على نفسه طعاماً، أو شيئاً آخر لم يلزمه بذلك كفارة عند الشافعي ومالك، ويجب بذلك كفارة عند ابن مسعود والثوري وأبي حنيفة.
فصل في اختلافهم هل التحريم طلاق؟
إذا قال الرَّجُلُ لزوجته :« أنْتِ عليَّ حَرَامٌ ».
قال القرطبيُّ :« فيه ثمانية عشر قولاً :
أحدها : لا شيء عليه، وبه قال الشعبي، ومسروق، وربيعة، وأبو سلمة، وأصبغ، وهو عندهم كتحريم الماءِ، والطعام، قوله تعالى :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ الله لَكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٧ ]. والزوجة من الطَّيِّبات، ومما أحل الله.
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ ﴾ [ النحل : ١١٦ ].
فما لم يحرمه الله، فليس لأحد أن يحرمه، ولا أن يصير بتحريمه حراماً، ولم يثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال لما أحله الله : هو حرام عليَّ، وإنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه، وهو قوله :» واللَّهِ لا أقربُهَا بَعْدَ اليَوْمِ «.
وروى البغويُّ في تفسيره : أن حفصة لما أخبرت عائشة، غضبت عائشةُ، ولم تزل بنبي الله حتى حلف ألاَّ يقربها، فقيل له :﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ ؟ أي : لم تمتنع منه بسبب اليمين، يعني : أقدم عليه، وكفِّر.
وثانيها : أنه يمين يكفرها، قاله أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم - والأوزاعي، وهو مقتضى الآية.
قال سعيدُ بن جبيرٍ عن ابن عبَّاسٍ : إذا حرم الرجل عليه امرأته، فإنما هي يمينٌ بكفرها.
وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : لَقَدْ كَان لكُمْ في رسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنةٌ.
يعني أن النبي ﷺ كان حرم جاريته، فقال تعالى :﴿ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ إلى قوله :﴿ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ فكفَّر عن يمينه، وصيَّر الحرام يميناً، خرجه الدارقطني.