فصل في معنى تتظاهرا
معنى تتظاهرا، أي : تتعاونا على النبي ﷺ بالمعصية والإيذاء.
روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مكثت سنةً، وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن آية، فما أستطيع أن أسأله هيبة له حتى خرج حاجاً فخرجت معه، فلما رجع وكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك لحاجة له، فوقفت، حتى فرغ ثم سرت معه بإداوة ثم جاء فسكبت على يديه منها فتوضَّأ، فلما رجع قلت : يا أمير المؤمنين، من اللَّتان تظاهرتا على النبي ﷺ ؟.
فقال : تلك حفصة وعائشة، قال : فقلت له : والله إن كنت لأريد أن أسألك عن هذا منذ سنة، فما أستطيع هيبةً لك، قال : فلا تفعل، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه فإن كنت أعلمه أخبرتك. وذكر الحديث.
قوله :﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ ﴾.
يجوز أن يكون « هو » فصلاً، و « مَولاهُ » خبره والمبتدأ جملة « إنَّ ».
والمعنى : الله وليُّه وناصره، فلا يضره ذلك التَّظاهر منهما.
قوله :﴿ وَجِبْرِيلُ ﴾.
يجوز أن يكون عطفاً على اسم الله تعالى.
والمعنى : الله وليه، وجبريل وليه، فلا يوقف على « مَولاهُ » ويوقف على جبريل.
ويكون ﴿ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ مبتدأ، « والملائكة » معطوفاً عليه، والخبر « ظَهِيرٌ » ورفع « جبريل » نظراً إلى محل اسم « إن » وذلك بعد استكمال خبرها وقد تقدم مذاهب الناس في ذلك.
ويكون « جِبْريلٌ » وما بعده داخلين في الولاية لرسول الله ﷺ ويكون « جبريل » ظهيراً له بدخوله في عموم الملائكة.
ويكون « الملائكةُ » مبتدأ، و « ظهيرٌ » خبره، وأفرد لأنه بزنة « فَعِيل ».
قال القرطبيُّ :« هو بمعنى الجمع ».
قال أبو علي : قد جاء « فعيل » للكثرة، قال تعالى :﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ [ المعارج : ١١ ]. ومعنى :« ظهيرٌ » أي : أعوان، وهو في معنى ظهراء كقوله تعالى :﴿ وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً ﴾ [ النساء : ٦٩ ].
ويجوز أن يكون الكلام تم عند قوله « مَولاهُ »، ويكون « جبريلُ » مبتدأ، وما بعده عطف عليه، و « ظهيرٌ » خبر الجميع، فتختص الولاية بالله، ويكون جبريل قد ذكر في المعاونة مرتين، مرة بالتنصيصِ عليه، ومرة بدخوله في عموم الملائكةِ.
وهذا عكس ما في « البقرة » في قوله تعالى :﴿ مَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ ﴾ [ البقرة : ٩٨ ]، فإنه ذكر الخاص بعد العام تشريفاً له، وهناك ذكر العام بعد الخاص، ولم يذكر الناس إلا القسم الأول.
وفي « جِبْريل » لغات تقدم ذكرها في « البقرة ».