قال زيد : وليس في أمة محمدٍ ﷺ سياحة إلا الهجرة. والسياحة الجولان في الأرض.
وقال الفرَّاء والقتبي وغيرهما : سمي الصائمُ سائحاً؛ لأن السائحَ لا زاد معه، وإنما يأكل من حيث وجد الطعام.
وقيل : يسحن معه حيثما ساح.
وقيل : ذاهبات في طاعة الله تعالى، من ساح الماءُ إذا ذهب. وقد مضى في سورة براءة.
وقرأ عمرو بن فائد :« سَيِّحاتٍ ».
فصل في الكلام على الآية.
قال ابن الخطيب : فإن قيل : كيف تكون المبدلات خيراً منهن، ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً من أمهات المؤمنين؟.
فالجواب : إذا طلقهن الرسول - ﷺ - لعصيانهن له، وإيذائهن إياه كان غيرهن من الموصوف بهذه الصفات مع الطاعة للرسول ﷺ خيراً منهن.
فإن قيل : قوله :﴿ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ ﴾ يوهم التَّكرارَ؛ لأن المسلمات والمؤمنات سواء؟ فالجواب : الإسلام هو التصديق باللسان، والإيمان التصديق بالقلب، وقد لا يجتمعان فقوله ﴿ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ ﴾ تحقيقاً لاجتماعهما.
قوله :﴿ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً ﴾.
إنما توسطت الواو بين ثيبات وأبكاراً لتنافي الوصف دون سائر الصفات.
و « ثَيِّباتٍ » ونحوه لا ينقاس؛ لأنه اسم جنس مؤنث، فلا يقال : نساء حورات، ولا رأيت عينات.
و « الثَّيِّبُ » وزنها « فَيعِل » من « ثاب يثوب » أي : رجع، كأنها ثابت بعد زوال عذرتها.
وأصله :« ثَيْوب » ك « سيِّد وميِّت » أصلهما :« سَيْود ومَيْوت » على الإعلال المشهور.
والمعنى : منهن ثيّب، ومنهن بِكْر.
قيل : إنما سميت ثيِّباً؛ لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها، وإلى غيره إن فارقها.
وقيل : لأنها ثابت إلى بيت أبويها.
قال القرطبي :« والأول أصح؛ لأن ليس كل ثيبت تعود إلى زوج، وأما البكر : فهي العذراء، سميت بكراً؛ لأنها على أول حالتها التي خلقت بها ».
قال ابن الخطيب : فإن قيل : ذكر الثيبات في مقام المدحِ، وهي من جملة ما يقل رغبة الرجال فيهن؟.
فالجوابُ : يمكن أن يكون بعض الثيبات خيراً بالنسبة إلى البعض من الأبكار عند الرسول - ﷺ - لاختصاصهن بالمال، والجمال، أو النسب، أو المجموع، وإذا كان كذلك، فلا يقدح ذكر الثَّيِّب في المدح، لجواز ذلك.
وقال الكلبيُّ : أراد بالثيِّب مثل : آسية امرأة فرعون، وبالبكر مثل : مريم ابنة عمران.
قال القرطبيُّ :« وهذا إنما يمشي على قول من قال : إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيراً منهن، والله أعلم ».