والثاني : أنه جمع طبقة، نحو : رحبة ورحاب.
والثالث : أنه مصدر طابق، يقال : طَابَقَ مُطابَقَةَ وطِبَاقاً.
ثم إما أن تجعل نفس المصدر مبالغة، وإما على حذف مضاف، أي : ذات طباق، وإما أن ينتصب على المصدر بفعل مقدر، أي : طوبقت طباقاً. من قولهم : طابق الفعل، أي : جعله طبقةً فوق أخرى.
روي عن ابن عباس :« طِبَاقاً »، أي : بعضها فوق بعض، والملتصق منها أطرافها.
قال القرطبيُّ : وقيل : مصدر بمعنى المطابقة، أي : خلق سبع سمواتٍ، ويطبقها تطبيقاً أو مطابقة على طوبقت طباقاً؛ لأنه مفعول ثان، فيكون « خَلَقَ » بمعنى جعل وصيّر.
وقال أبان بن تغلب : سمعت بعض الأعراب يذم رجلاً، فقال : شره طباق، وخيره غير باق. ويجوز في غير القرآن « سَبْعَ سماواتٍ طباقٍ » بالخفض على النَّعت ل « سماواتٍ » نظيره :﴿ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ ﴾ [ يوسف : ٤٢ ].
فصل في الدلالة على القدرة
قال ابن الخطيب : دلّت هذه الآية على القدرة من وجوه.
أحدها : من حيث بقاؤها في جو الهواء متعلقة بلا عماد ولا سلسلة.
وثانيها : من حيث إن كل واحد منها اختصّ بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص.
وثالثها : أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة، والبطء إلى جهة معينة.
ورابعها : كونها في ذواتها محدثة، وكل ذلك يدل على إسنادها إلى قادر تام القدرة.
قوله ﴿ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ ﴾. « تَفاوتٍ » هو مفعول « ترى » و « مِنْ » مزيدة فيه. وقرأ الأخوان :« تَفَوُّت » بتشديد الواو دون ألف.
قال القرطبيُّ :« وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه ».
والباقون : بتخفيفها بعد ألف، وهما لغتان بمعنى واحد، كالتعهُّد والتَّعاهد والتَّظاهر والتَّظهُّر والتَّصغُّر والتَّصاغُر والتَّحمُّل والتَّحامُل والتَّضاعف والتضعف والتَّباعد والتبعُّد، قاله الفرَّاء.
وقال الأخفش :« تَفَاوُتٍ » أجود؛ لأنهم يقولون : تفاوت الأمر، ولا يكادون يقولون :« تفوت ».
واختيار أبي عبيد :« تفوت »، يقال : تفاوت الشيء إذا فات.
واحتج بما روي في الحديث : أنَّ رجُلاً تفوَّت على أبيهِ في مالهِ.
وقال عبد الرحمن بن أبي بكر :« أمثلي يتفوت عليه في ماله ».
قال النحاس : وهذا مردود على أبي عبيد، لأن « يتفوت » أي : يضاف في الحديث، « تفاوُتٍ » في الآية أشبه، كما يقال : تباين، تفاوت الأمر إذا تباين، أو تباعد، أي : فات بعضها بعضاً نقله القرطبي.
وحكى أبو زيد : تفاوت الشَّيء تفاوُتاً بضم الواو وفتحها وكسرها.
[ والقياس ] : الضَّمُّ كالتقابل، والفتح والكسر شاذان.
والتفاوت : عدم التناسب؛ لأن بعض الأجزاء يفوت الآخر، وهذ الجملة المنفية صفة لقوله :« طِبَاقاً » وأصلها : ما ترى فيهن، فوضع مكان الضمير.
قوله :﴿ ما ترى في خلقِ الرَّحمنِ ﴾ تعظيماً لخلقهن، وتنبيهاً على سببب سلامتهن، وهو أنه خلق الرحمن، قاله الزمخشري.