قوله ﴿ فارجع البصر ﴾. مسبب عن قوله ﴿ مَّا ترى ﴾.
و « كرتَيْنِ » نصب على المصدر كمرتين، وهو مثنّى لا يراد به حقيقته، بل التكثير بدليل قوله :﴿ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ أي : مزدجراً وهو كليل، وهذان الوصفان لا يأتيان بنظرتين، ولا ثلاث، وإنما المعنى كرات، وهذا كقولهم :« لَبَّيْك وسعْديْكَ وحنَانيْكَ، ودَوالَيْك، وهَذَاذَيْكَ » لا يريدون بهذه التثنية تشفيع الواحد، إنما يريدون التكثير أي : إجابة لك بعد أخرى. وإلا تناقض الغرض، والتثنية تفيد التكثير لقرينة كما يفيده أصلها وهو العطف لقرينة؛ كقوله :[ البسيط ]
٤٧٩١ - لَوْ عُدَّ قَبْرٌ وقَبْرٌ كانَ أكْرمَهُمْ | ...................... |
وقال ابن عطية :« كَرَّتَيْنِ » معناه : مرتين، ونصبها على المصدر.
وقيل : الأولى ليرى حسنها، واستواءها، والثانية لينظر كواكبها في سيرها، وانتهائها وهذا بظاهره يفهم التثنية فقط.
قوله :﴿ هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾.
هذه الجملة يجوز أن تكون متعلقة لفعل محذوف يدلّ عليه « فارْجعِ البصَرَ » مضمناً معنى « انظُر »؛ لأنه بمعناه، فيكون هو المعلق.
وأدغم أبو عمرو : لام « هَلْ » في التاء هنا وفي « الحَاقَّة »، وأظهرهما الباقون، وهو المشهور في اللغة.
والفطور : جمع فطرٍ، وهو الشَّقُّ، يقال : فطره فانفطر، ومنه : فطر ناب البعير، كما يقال : شقّ، ومعناه : شق اللحم وطلع.
قال المفسرون :« الفُطُور » الصُّدوع والشُّقوق؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
٤٧٩٢ - شَقَقْتِ القَلْبَ ثُمَّ ذَرَرْتِ فِيهِ | هَواكِ فَلِيطَ فالتأمَ الفُطُورُ |
العامة : على جزمه على جواب الأمرِ.
والكسائي في رواية برفعه. وفيه وجهان :
أحدهما : أن يكون حالاً مقدرة.
والثاني : أنه على حذف الفاءِ، أي : فينقلب.
و « خَاسِئاً » حال وقوله :« وهُو حَسِيرٌ » حال، إما من صاحب الأولى، وإما من الضمير المستتر في الحال قبلها، فتكون متداخلة. وقد تقدّمتا « خاسئاً » و « حسير » في « المؤمنين » و « الأنبياء ».
فصل في تفسير الآية
لما قال :﴿ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ ﴾ كأنه قال بعده : ولعلك لا تحكم بمقتضى ذلك البصر الواحد، ولا يعتمد عليه لاحتمال وقوع الغلطِ في النظرة الواحدة، ولكن ارجع البصر، واردد النظر مرة أخرى، حتى يتيقّن لك أنه ليس في خلق الرحمن من تفاوت ألبتَّة.
قال القرطبي : أمر أن ينظر في خلقه ليعتبروا به، ويتفكَّروا في قدرته، فقال :﴿ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾ أي : اردُدْ طرفك إلى السماء، ويقال : قلَّب بصره في السماء، ويقال : اجتهد بالنَّظر إلى السَّماء، والمعنى متقارب، وإنما قال :« فارْجع » - بالفاء - وليس قبله فعل مذكُور؛ لأنه قال :« مَا تَرَى » والمعنى : انظر، ثم ارجع البصر هل ترى من فُطورٍ، قاله قتادة.