وثامنها : إن كانت الشياطين ينقلون أخبار الملائكةِ عن المغيبات إلى الكهنة، فلم لا ينقلون أسرار المؤمنين إلى الكفار، حتى يتوصل الكفار بذلك إلى إلحاق الضرر بالمؤمنين؟.
وتاسعها : لم لم يمنعهم الله ابتداء من الصعود إلى السماء؟.
والجواب عن الأول : أنا لا ننكر أن هذه الشُّهب كانت موجودة قبل مبعث النبي ﷺ.
وعن الثاني : أنه إذا جاء القدر عمي البصر، فإذا قضى الله على طائفة منها بالحرق لطغيانها قيَّض الله لها من الدواعي ما يقدمها على العملِ المفضي إلى هلاكها.
وعن الثالث : أن نمنع كون ثخن الفلك ما ذكروه، بأن البعد بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام.
وعن الرابع : ما روى الزهري عن علي بن الحسين، عن علي بن أبي طالب قال :« بينما النبي ﷺ جالساً في نفرٍ من أصحابه، إذ رمي بنجم فاستنار، فقال : مَا كُنْتُمْ تقُولُونَ فِي الجَاهليَّةِ إذَا حدث؟ قال : كنا نقول : يولد عظيم أو يموت عظيم فقال النبي ﷺ :» فإنَّها لا تُرْمَى لمَوْتِ أحدٍ، ولا لِحياتهِ، ولكِنَّ اللَّه - تعالى - إذا قَضَى الأمْرَ في السَّماءِ سبَّحتْ حملةُ العرشِ، ثُمَّ يُسبِّحُ أهلُ كُلِّ سماءٍ، وتسبِّحُ كُل سماءٍ، حتى ينتهي التَّسبيحُ إلى هذه السَّماءِ، ويَسْتخبرُ أهلُ السَّماءِ حملة العَرْشِ ماذا قال ربُّكُمْ؟ فيُخبرُونهُمْ، ولا يَزالُ يَنْتَهِي ذلِكَ الخَبَرُ من سماءٍ إلى سماءٍ إلى أن يَنْتَهِي الخبرُ إلى هذه السَّماء فتَخْطَفُهُ الجِنُّ فَيُرمَونَ، فمَا جَاءُوا به فَهُوَ حَقٌّ، ولكنَّهم يزيدُون فِيهِ « ».
وعن الخامس : أنَّ نار النجومِ قد تكون أقوى من نارِ الجن.
وعن السادس : أنه - ﷺ - أخبر ببطلان الكهانةِ، فلو لم ينقطعوا لعادت الكهانة، وذلك يقدح في خبر الرسولِ ﷺ.
وعن السابع : أن البعد غير مانع من السماءِ عندنا.
وعن الثامن : لعله تعالى أقدرهم على استماع الغيوب عن الملائكة، وأعجزهم عن إيصال أسرار المؤمنين إلى الكافرين.
وعن التاسع : أن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
قوله :﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير ﴾. لما ذكر منافع الكواكب، وذكر من جملة تلك المنافع أنها رجوم للشياطين قال بعد ذلك :﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير ﴾، أي : وأعتدنا للشَّياطين بعد الإحراق بالشُّهب في الدنيا عذاب السَّعير في الآخرة، وهو أشدُّ الحريقِ.
قال المبردُ : سعرت النَّار فهي مسعورة وسعير، مثل قوله : مقتولة وقتيل.
وهذه الآية تدل على أن النَّار مخلوقة؛ لأن قوله :﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ ﴾ خبر عن الماضي.
قوله :﴿ وَلِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ خبر مقدم في قراءة العامة، و « عذابُ جهنَّم » مبتدؤه.
وفي قراءة الحسن والأعرج والضحاك : بنصب « عَذَابَ » فيتعلق ب « أعْتَدْنَا » عطفاً على « لَهُمْ » و « عَذابَ السَّعيرِ »، فعطف منصوباً على منصوب، ومجروراً على مجرور، وأعاد الخافض، لأن المعطوف عليه ضمير.


الصفحة التالية
Icon