وقيل : يثبتها بالجبالِ لئلا تزول بأهلها، ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا.
وقيل : إشارة إلى التمكن من الزرعِ، والغرس، وشق العيون، والأنهار، وحفر الآبار، وبناء الأبنية، ولو كانت صلبة لتعذر ذلك.
وقيل : لو كانت مثل الذَّهب والحديد لكانت تسخن جداً في الصيف، وكانت تبرد جداً في الشتاء.
قوله :﴿ فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا ﴾. هذه استعارة حسنة جداً.
وقال الزمخشري : مثل لفرط التذليل، ومجاوزته الغاية؛ لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب أرق شيء من البعير، وأنهاه عن أن يطأه الراكب بقدمه، ويعتمد عليه، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشي في مناكبها لم يترك.
فصل في هذا الأمر
هذا أمر إباحة، وفيه إظهار الامتنان.
وقيل : هو خبر بلفظ الأمر، أي : لكي تمشوا في أطرافها، ونواحيها، وآكامها وجبالها.
وقال ابنُ عبَّاسٍ وقتادة وبشير بن كعب :« فِي منَاكبِهَا » في جبالها.
وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة. فقالت : مناكبها : جبالها، فصارت حُرَّة، فأراد أن يتزوجها، فسأل أبا الدرداء، فقال :« دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ ».
وقال مجاهد : في أطرافها، وعنه أيضاً : في طرفها وفجاجها، وهو قول السديِّ والحسن.
وقال الكلبيُّ : في جوانبها. ومنكبا الرجل : جانباه، وأصل الكلمة : الجانب، ومنه منكب الرجل والريح النكباء، وتنكب فلان عن فلان.
يقول : امشُوا حيث أردتم، فقد جعلتها لكم ذلولاً لا تمتنع.
وحكى قتادةُ عن أبي الجلد : أن الأرض من أربعة وعشرون ألف فرسخ، فللسودان اثنا عشر ألفاً، وللروم ثمانية آلافٍ، وللفرس ثلاثة آلافٍ، وللعرب ألفٌ.
قوله :﴿ وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ ﴾.
قال الحسن : ما أحله لكم.
وقيل : مما أنبته لكم.
وقيل : مما خلقه اللَّه لكم رزقاً من الأرض « وإليْهِ النُّشورُ » المرجع.
وقيل : معناه أن الذي خلق السماوات ولا تفاوت فيها، والأرض ذلولاً قادر على أن ينشركم، وإليه تبعثون من قبوركم.
قوله :﴿ أَأَمِنتُمْ مَّن فِي السمآء ﴾.
تقدم اختلاف القراء في الهمزتين المفتوحتين نحو ﴿ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ] تخفيفاً وتحقيقاً وإدخال ألف بينهما وعدمه في سورة « البقرة ».
وأن قنبلاً يقرأ هنا : بإبدال الهمزة الأولى واواً في الوصل « وإليْهِ النشورُ وأمنتُمْ »، وهو على أصله من تسهيل الثانية بين بين، وعدم ألف بينهما، وأما إذا ابتدأ، فيحقق الأولى، ويسهل الثانية بين بين على ما تقدم، ولم تبدل الأولى واواً، لزوال موجبه وهو انضمام ما قبلها، وهي مفتوحة نحو « مُوجِل، ويُؤاخِذكُم »، وقد مضى في سورة « الأعراف » عند قوله تعالى :﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٢٣ ]، وإنما عددناه تذكيراً، وبياناً.
قوله :﴿ مَّن فِي السمآء ﴾. مفعول « أأمِنْتُمْ » وفي الكلام حذف مضاف، أي : أمنتم خالق السماوات.
وقيل :« فِي » بمعنى « على »، أي : على السماء، كقوله :