وابن أبي عبلة :« ربّ » بالجر، بدلاً أو بياناً ل « ربّكما ».
قال مكي : ويجوز في الكلام الخفض على البدل من « ربكما »، كأنه لم يطلع على أنها قراءة منقولة.
و « المشرقان » : قيل : مشرقا الشتاء والصيف ومغرباهما.
وقيل : مشرقا الشمس والقمر ومغرباهما، وذكر غاية ارتفاعهما، وغاية انحطاطهما إشارة إلى أن الطرفين يتناول ما بينهما كقولك في وصف ملك عظيم :( له المشرق والمغرب ) فيفهم منه أن له ما بينهما.
ويؤيده قوله تعالى :﴿ بِرَبِّ المشارق والمغارب ﴾ [ المعارج : ٤٠ ].
قوله تعالى :﴿ مَرَجَ البحرين ﴾ أي : خلَّى وأرسل وأهمل، يقال : مرج الناس السلطان، أي : أهملهم، وأصل المَرْج الإهمال كما تمرج الدَّابة في المَرْعى ويقال : مرج خلط.
وقال الأخفش : ويقول قوم : أمرج البحرين مثل « مرج » فيكون « فَعَلَ وأفْعَلَ » بمعنى.
و « البَحْرين » : قال ابن عباس رضي الله عنهما : بحر السماء، وبحر الأرض.
قال سعيد بن جبير : يلتقيان في كل عام.
وقيل : يلتقي طرفاهما.
وقال الحسن وقتادة : بحر « فارس » و « الروم ».
وقال ابن جريج : البحر المالح، والأنهار العذبة.
وقيل : بحر المشرق، وبحر المغرب يلتقي طرفاهما.
وقيل : بحر اللؤلؤ والمرجان.
« بينهما برزخ » حاجز.
قوله :« يلتقيان » حال من « البَحريْنِ » وهي قريبة من الحال المقدرة، ويجوز بتجوّز أن تكون مقارنة.
و « بَينهُمَا بَرزخٌ » يجوز أن تكون جملة مستأنفة، وأن تكون حالاً، وأن يكون الظَّرف وحده هو الحال، و « البَرْزَخُ » فاعل به، وهو أحسن لقربه من المفرد.
وفي صاحب الحال وجهان :
أحدهما : هو البحرين.
والثاني : هو فاعل « يَلْتقيان ».
و « لا يَبْغِيَان » حال أخرى كالتي قبلها، أي : مرجهُمَا غير باغيين أو يلتقيان غير باغِيين، أو بينهما برزخٌ في حال عدم بغيهما، وهذه الحال في قوة التعليل، إذ المعنى :« لئلاَّ يَبْغِيانِ ».
وقد تمحّل بعضهم، وقال : أصل ذلك لئلا يبغيا ثم حذف حرف العلة، وهو مطّرد مع « أن » و « إن »، ثم حذفت « أن » أيضاً، وهو حذف مطرد، كقوله :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ﴾ [ الروم : ٢٤ ]، فلما حذفت « أن » ارتفع الفعل، وهذا غير ممنوع، إلا أنه تكرر فيه الحذف.
وله أن يقول : قد جاء الحذف أكثر من ذلك فيما هو أخفى من هذا، كما سيأتي في قوله :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ ﴾ [ الواقعة : ٨٢ ].

فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها


لما ذكر الشمس والقمر، وهما يجريان في الفلك كما يجري الفلك في البحر، كقوله :﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٣٣ ]، فذكر البحرين عقيب المشرقين والمغربين، أو لأن المشرقين والمغربين يكونان في البر والبحر، فذكر البحر بعد ذكر البر؛ لانحصار البر والبحر بين المشرق والغرب.


الصفحة التالية
Icon