وقيل : من الدعاء، أي : تطلبونه وتستعجلونه.
وقرأ الحسنُ وقتادةُ وأبو رجاء والضحاك، ويعقوب وأبو زيد وأبو بكر وابن أبي عبلة ونافع في رواية الأصمعي : بسكون الدالِ، وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء في قراءة العامة.
وقال قتادة : هو قولهم :﴿ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا ﴾ [ ص : ١٦ ].
وقال الضحاك : هو قولهم :﴿ إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] الآية.
وقال النحاس : تدَّعون، وتدْعون، بمعنى واحد، كما يقال : قدر واقتدر، وعدى واعتدى إلا أن في « افتعل » معنى شيء بعد شيء، و « فَعَل » يصح للقيل والكثير.
قوله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ الله ﴾. أي : قل لهم يا محمد، يعني مشركي مكة وكانوا يتمنون موت محمد ﷺ كما قال :﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون ﴾ [ الطور : ٣٠ ] أرأيتم إن متنا، أو رحمنا، فأخرت آجالنا، يعني أنا ومن معي من المؤمنين فمن يجيركم من عذاب الله؟ فلا حاجة لكم إلى التربص بنا ولا إلى استعجال قيام الساعة.
وأسكن الياء في « أهْلَكَنِي » ابن محيصن والمسيبي وشيبة والأعمش وحمزة وفتحها الباقون.
وكلهم فتح الياء في « ومَنْ مَعِيَ » إلا أهل الكوفة فإنهم سكنوها، وفتحها حفص، كالجماعة.
قوله :﴿ قُلْ هُوَ الرحمن آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ﴾. قد تقدم لِمَ أخر متعلق الإيمان وقدم متعلق التوكل، وأن التقديم يفيد الاختصاص.
قال القرطبيُّ : إنما قدم لوقوع « آمَنَّا » تعريضاً بالكافرين، حين ورد عقب ذكرهم، كأنه قيل : آمنا ولم نكفر كما كفرتم، ثم قال :« وعَليْهِ تَوكَّلْنَا » خصوصاً لم نتكل على ما أنتم متكلون عليه من رجالكم وأموالكم، قاله الزمخشري.
وقرأ الكسائي :« فَسَيْعلمُونَ » بياء الغيبة نظراً إلى قوله « الكَافِرينَ ».
والباقون : على الخطاب، إما على الوعيد وإما على الالتفات من الغيبة المرادة في قراءة الكسائي وهو تهديد لهم، أي : فستعملون عند معاينة العذاب من الضال نحن، أم أنتم.
قوله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾ يا معشر قريش ﴿ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً ﴾ أي : غائراً ذاهباً في الأرض لا تناله الدلاء، و « غَوْراً » خبر « أصْبَحَ »، وجوز أبو البقاء : أن يكون حالاً على تمام « أصْبَحَ »، لكنه استبعده.
وحكى أنه قرىء :« غُؤُوراً » - بضم الغين، وهمزة مضمومة، ثم واو ساكنة - على « فعول » وجعل الهمزة منقلبة عن واو مضمومة.

فصل في المراد بالماء


كان ماؤهم من بئرين : بئر زمزم وبئر ميمون ﴿ فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مَّعِينٍ ﴾ أي : جارٍ، قاله قتادة والضحاك.
فلا بد لهم أن يقولوا : لا يأتينا به إلا الله تعالى، فقل لهم : فلم تشركون به من لا يقدر على أن يأتيكم به.
يقال : غار الماء يغور غوراً : نضب، والغور : الغائر، وصف بالمصدر للمبالغة كما تقول : رجلٌ عدلٌ، ورضى.


الصفحة التالية
Icon