قال لبيدٌ :[ الكامل ]

٤٨٠٩ -...................... غُبْسٌ كَواسِبُ مَا يُمَنُّ طَعَامُهَا
أي : لا يقطع، يصف كلاباً ضارية، ونظيره قوله تعالى ﴿ غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ [ هود : ١٠٨ ]، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي :« غَيْرَ مَمْنُونٍ » أي : غير محسوب عليك، قالت المعتزلة : لأنك تستوجبه على [ عملك ]، وجوابهم : إن حملهم على هذا يقتضي التكرار، لأن قوله « أجراً » يفيده، وقال الحسنُ : غير مكدر بالمن.
وقال الضحاك : أجراً بغير عمل، واختلفوا في هذا الأجرِ على أي شيء حصل؟ فقيل : معناه إن لك على احتمال هذا الطعن، والقول القبيح أجراً عظيماً دائماً.
وقيل : إن لك في إظهار النبوةِ، والمعجزات في دعاء الخلق إلى الله تعالى وفي بيان الشرع لهم هذا الأجر الخالص الدائم فلا يمنعك نسبتهم إياك إلى الجنون عن الاشتغال بهذا المهم العظيم فإن لك بسببه المنزلةَ العالية.
الصفة الثالثة : قوله :﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾.
قال ابن عباس ومجاهدٌ :« على خُلقٍ » على دين عظيمٍ من الأديان، ليس دين أحب إلى الله، ولا أرضى عنده منه.
وروى مسلم عن عائشة : أن خلقه كان القرآن.
وقال علي - رضي الله عنه - : هو أدب القرآن.
وقيل : رفقه بأمته، وإكرامه إياهم.
وقال قتادة : هو ما كان يأتمر به من أمر اللَّهِ، وينتهي عنه مما نهى الله عنه.
وقيل : إنَّك على طبع كريم.
وقال الماوردي : حقِيقَةُ الخُلقِ في اللُّغةِ ما يأخذُ بِهِ الإنسانُ في نفْسِهِ من الأدبِ يُسَمَّى خُلُقاً، لأنَّه يصير كالخلقة فيه فأما ما طُبع عليه من الأدبِ فهو الخِيمُ، فيكون الخلق : الطبع المتكلف، والخِيم : الطبع الغريزي.
قال القرطبي :« ما ذكره مسلم في صحيحه عن عائشة أصح الأقوالِ، وسئلت أيضاً عن خلقه - ﷺ - فقرأت ﴿ قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون ﴾ [ المؤمنون : ١ ] إلى عشر آياتٍ ».
قال ابن الخطيب : وهذا إشارة إلى أن نفسه القدسية كانت بالطبع منجذبة إلى عالم الغيبِ وإلى كل ما يتعلق بها، وكانت شديدة النفرة من اللذات البدنية، والسعادات الدنيوية بالطبع، ومقتضى الفطرة، وقالت : مَا كَانَ أحدٌ أحْسنَ خُلُقاً من رسول الله ﷺ ما دعاه أحدٌ من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال : لبيك، ولذلك قال الله تعالى ﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي الحظ الأوفر.
وقال الجنيد : سمى خلقه عظيماً لاجتماع مكارم الأخلاق فيه، بدليل قوله - ﷺ - :« إنَّ اللَّه بَعَثنِي لأتمِّمَ مكارِمَ الأخْلاق ».

فصل


قال ابن الخطيب : قوله :﴿ وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ كالتفسير لما تقدم من قوله تعالى :﴿ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾ وتعريف لمن رماه بالجنون بأن ذلك كذب وخطأ؛ لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية كانت ظاهرة منه، وإذا كان موصوفاً بتلك الأخلاق والأفعال، لم يجز إضافة الجنون إليه؛ لأن أخلاق المجانين سيئة، ولما كانت أخلاقه الحميدة ﷺ كاملة لا جرم وصفها الله بأنها عظيمة، ولهذا قال :


الصفحة التالية
Icon