وقيل :« إنَّا لضالُّون » عن الصَّواب في غدونا على نية منع المساكين، فلذلك عوقبنا ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي : حرمنا جنتنا بما صنعنا.
روى ابن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ :« » إيَّاكم والمَعاصِي إنَّ العَبْدَ ليذْنبُ الذَّنْبَ فيُحرَمُ بِهِ رِزْقاً كان هُيِّىء له « ثم تلا :﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴾ » الآيتين.
قوله :﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾، يعني أعدلهم، وأفضلهم وأعقلهم ﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ : لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾ أي : هلا تستثنون، وكان استثناؤهم تسبيحاً. قاله مجاهدٌ وغيره، وهذا يدل على أن هذا الأوسط كان يأمرهم بالاستثناء، فلم يطيعوه.
قال أبو صالحٍ : كان استثناؤهم سبحان الله، فقال لهم :« هَلاَّ تسبِّحُونَ اللَّهَ »، أي تقولون : سبحان الله وتشكرونه على ما أعطاكم.
وقال النحاس : أصل التسبيحِ التنزيه لله - تعالى -، فجعل مجاهد التسبيح في موضع إن شاء اللَّهُ؛ لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته.
وقال ابن الخطيب : التسبيحُ عبارة عن تنزيهه عن كل سوء فلو دخل شيء في الوجود على خلاف إرادة الله تعالى، لوجب عود النقص إلى قدرة الله تعالى، فقولك :« إن شاء الله » مزيل هذا النقص، فكان ذلك تسبيحاً.
وقيل : المعنى : هلاَّ تَسْتغفرونهُ من فِعْلكُم، وتتوبون إليه من خبث نيتكم.
قيل : إنَّ القوم لمَّا عزموا على منع الزكاةِ واغتروا بالمال والقوة، قال لهم أوسطهم : توبوا عن هذه المعصية قبل نزول العذابِ، فلما رأوا العذاب ذكرهم أوسطهم كلامهُ الأول، وقال :﴿ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ ﴾ فحينئذ اشتغلوا بالتوبة وقالوا :﴿ ِسُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ قال ابن عباس في قولهم سبحان ربنا أي نستغفر ربنا من ذنوبنا لأنا كنا ظالمين لأنفسنا في منعنا المساكين.
وقال الحسنُ : هذا التسبيحُ هُو الصَّلاةُ كأنهم كانوا يتكاسلون في الصلاة، وإلا لكانت ناهية لهم [ عن الفحشاء والمنكر، ولكانت داعية لهم ] إلى أن يواظبوا على ذكر الله، وعلى قول إن شاء الله.
قوله ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاَوَمُونَ ﴾. أي : يلوم بعضهم بعضاً، يقول هذا لهذا : أنت أشرت علينا بهذا الرأي، ويقول ذلك لهذا : أنت خوفتنا بالفقر، ويقول الثالث لغيره : أنت رغبتني في جمع المال، ثم نادوا على أنفسهم بالوَيْلِ فقالوا :﴿ ياويلنا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ ﴾ أي : عاصين بمنع حق الفقراءِ، وترك الاستثناء.
وقال ابنُ كيسان : طغينا نعم اللَّهِ، فلم نشكرهَا كما شكرها آباؤنا من قبل ﴿ عسى رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْراً مِّنْهَآ ﴾ تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيراً منها لنصنعنّ كما صنع آباؤنا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها.
قرىء :« يبدلنا » بالتخفيف والتشديد، وهما لغتانِ.
وقيل : التبديلُ تغير الشيء، أو تغير حاله وعين الشيء قائم، والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه، ثم قال :﴿ إِنَّآ إلى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ أي : طالبون منه الخير راجعون لعفوه.


الصفحة التالية
Icon