ثم إنه تعالى لما أبطل قولهم شرح بعده عظمة يوم القيامة، وهو قوله :
﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾ « يَوْمَ » منصوب بقوله « فليَأتُوا » أي : فليأتوا بشركائهم يوم يكشفُ عن ساق ليشفع الشركاء لهم وحينئذ لا يوقف على « صَادِقينَ ».
أو بإضمارِ « اذْكُرْ » فيكون مفعولاً به، أو بمحذوفٍ وهو ظرف، أي : يوم يكشف يكون كيت وكيت. أو ب « خَاشِعةً ». قاله أبو البقاء.
و « عَنْ ساقٍ » قائم مقام الفاعل.
وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة :« تكشف » بالتاء من فوق مبنياً للفاعل، أي : الشدة والساعة. وعنه أيضاً كذلك : مبنياً للمفعول.
وهي مشكلة، لأن التأنيث لا معنى له هاهنا إلا أن يقال : إن المفعول مستتر، أي : تكشف هي، أي : الشدة، ويتعلق « عَنْ ساقٍ » بمحذوف، أي : تكشف عن ساقها.
ولذلك قال الزمخشري :« وتكشف » بالتاء مبنياً للفاعل والمفعول جميعاً، والفعل للساعة، أو الحال : أي يشتد الحال، أو الساعة.
وقرىء :« ويُكشِفُ » - بضم التاء أو الياء وكسر الشين - من « أكشف » إذا دخل في الكشف، وأكشف الرجل إذا انقلبت شفته العليا لانكشاف ما تحتها. ويقال له أيضاً : أخلع وكشف الساق كناية عن الشدة.
قال الراجز :[ الرجز ]
٤٨٣١ - عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي ومِنْ إشْفَاقِهَا | ومِنْ طِرَادِي الطَّيْرَ عَنْ أرْزَاقِهَا |
في سَنةٍ قَدْ كشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا | حَمْرَاءِ َبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عُراقِهَا |
وقال حاتم الطائيُّ :[ الطويل ]
٤٨٣٢ - أخُو الحَرْبِ إنْ عَضَّتْ به الحَرْبُ عضَّهَا | وإنْ شَمَّرْتَ عَنْ سَاقهَا الحَرْبُ شَمَّرَا |
وقال الآخر :[ مجزوء الكامل ]
٤٨٣٣ - كَشفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقِهَا | وبَدَا مِنَ الشَّرِّ البَواحُ |
وقال الراجز :[ الرجز ]
٤٨٣٤ أ - قَدْ شَمرَتْ عَنْ سَاقِهَا فشُدُّوا | وجَدَّتِ الحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا |
وقال الآخر :[ السريع، أو الرجز ]
٤٨٣٤ ب - صَبْراً أُمامُ إنَّهُ شَرُّ بَاقْ | وقَامتِ الحَرْبُ بِنَا على سَاقْ |
قال الزمخشريُّ : الكشفُ عن الساق والإبداء عن الخدام مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدراتِ عن سوقهن في الهرب وإبداء خدامهن عند ذلك؛ قال حاتم :
٤٨٣٥أ - أخو الحَرْبِ......... | .............................. |
وقال ابن قيس الرُّقيَّاتِ :[ الخفيف ]
٤٨٣٥ ب - تُذِهِلُ الشَّيْخَ عنْ بنيهِ وتُبْدِي | عَنْ خِدَامِ العَقيلَةُ العَذْراءُ |
انتهى.
فصل في « الساق »
قال ابن عباس في قوله تعالى :
﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ ﴾، قال : كرب وشدة.
وعن مجاهد : شدة الأمر وحده.
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : أشد ساعةٍ في القيامة.
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر، أو الحرب قيل كشف الأمر عن ساقه.
والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد، شمر عن ساقه، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة.