﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ الملائكة لاَ بشرى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ [ الفرقان : ٢٢ ]، وقوله :﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٨ ] الآية لأنه الوقت الذي لا تنفع نفساً إيمانها، وإما حال المرض والهرم والعجز، ثم إنه يرى الناس يدعون إلى الصلاة إذا حضرت أوقاتها، وهو لا يستطيع الصلاة ﴿ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السجود وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ مما بهم الآن من الشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت، أو من العجز والهرم، ونظير هذه الآية ﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحلقوم ﴾ [ الواقعة : ٨٣ ]. ثم قال : واعلم أنه لا نزاع في أنه يمكن حمل اللفظ على ما قال أبو مسلم، ثم قال : فأما قوله :« إنه لا يمكن حمله على يوم القيامة بسبب أن الأمر بالسجود حاصل في الدنيا والتكاليف زائلة يوم القيامة ».
فجوابه : أن ذلك لا يكون على سبيل التكليف بل على سبيل التقريع والتخجيل فلم قلت : إن ذلك غير جائزٍ.
قوله ﴿ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى السجود ﴾ في الدنيا ﴿ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ معافون أصحاء.
قال إبراهيم التيمي : أي : يدعون بالأذان، والإقامة، فيأبون.
وقال سعيد بن جبيرٍ : كانوا يسمعون حيّ على الفلاح، فلا يجيبون، وهم سالمون أصحاء.
وقال كعبُ الأحبار : والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات.
وقيل : أي : بالتكليف الموجه عليهم في الشرع.
قوله :﴿ فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بهذا الحديث ﴾، أي : فدعني والمكذبين بالقرآن وخلّ بيني وبينهم.
وقال الزجاجُ : لا تشغل بالك به كِلْهُ إليّ، فإني أكفيك أمره.
و « مَنْ » منصوب إما نسقاً على ضمير المتكلم، أو مفعول معه، وهو مرجوح؛ لإمكان النسق من غير ضعف، وتقدم إعراب ما بعده.
فصل في مناسبة الآية لما قبلها
لما خوف الكفار بعظمة يوم القيامة زاد في التخويف مما عنده، وفي قدرته من القهر، يقال : ذَرْنِي وإياه أي كِلْهُ إليّ، فأنا أكفيكه.
قال السديُّ : والمراد بالحديث القرآن.
وقيل : يوم القيامةِ، وهذا تسلية للنبيّ ﷺ.
قوله :﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾، أي : سنأخذهم على غفلة، وهم لا يعرفون، فعذبوا يوم بدر.
وقال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم، وننسيهم الشكر.
وقال الحسن : كم مستدرجٍ بالإحسان إليه، وكم مفتون بالثناء عليه، وكم مغرورٍ بالستر عليه.
وقال أبو روق : كلما أحدثوا الخطيئة جددنا لهم نعمة، وأنسيناهم الاستغفار.
قال ابن عباسٍ : سنمكر بهم، وروي أن رجلاً من بني إسرائيل قال : يا ربِّ، كم أعصيك وأنت لا تعاقبني، فأوحى اللَّهُ إلى نبي زمانهم أن قُلْ له : كَمْ مِنْ عقُوبَةٍ لِي عليكَ وأنْتَ لا تَشْعرُ أنَّ جُمُودَ عَيْنِك، وقساوة قلبك استدراجٌ منِّي، وعقُوبةٌ لو عقَلْتَ.
والاستدراج : ترك المعالجة، وأصله النقل من حال إلى حال كالتدريج.
ومنه قيل : درجات، وهي منزلة واستدرج فلان فلاناً، أي : استخرج ما عنده قليلاً قليلاً، ويقال : درجه إلى كذا، واستدرجه بمعنى أدناه على التدريج، فتدرج.