وقال المبرِّد : القارعة مأخوذةٌ من القرعة من رفع قومٍ وحطِّ آخرين.
وقوارعُ القيامة : انشقاقُ السماءِ، وانفطارها، والأرض والجبال بالدكِّ والنسف، والنجوم بالطَّمس والانكدار.
وإنما قال :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة ﴾، ولم يقل : بها ليدل على أنَّ معنى القرع حاصل في الحاقَّةِ، فيكون ذلك زيادة على وصف شدتها، ولما ذكرها وفخمها أتبع ذلك بذكر من كذب بها، وما حل بهم بسبب التكذيبِ تذكيراً لأهل « مكةَ » وتخويفاً لهم من عاقبةِ تكذيبهم.
وقيل : عنى بالقارعةِ : العذاب الذي نزل بهم في الدنيا، وكان نبيُّهم يخوفهم بذلك، فيكذبونه وثمودُ قوم صالح، وكانت منازلهم ب « الحجر » فيما بين « الشام » و « الحجاز ».
قال ابن إسحاق : هو وادي « القرى »، وكانوا عرباً، وأما عادٌ فقوم هود، وكانت منازلهم ب « الأحقاف »، و « الأحقاف » : الرمل بين « عمان » إلى « حَضْرمَوْتَ » و « اليمن » كله، وكانوا عرباً ذوي بسطةٍ في الخلق وقد تقدم ذلك في « الأحقاف ».
قوله :﴿ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية ﴾. هذه قراءةُ العامةِ.
وقرأ زيدُ بن عليٍّ :« فَهَلكُوا » مبنياً للفاعل.
وقوله :« بالطاغية » فيه إضمار أي : بالفعلة الطَّاغية.
وقال قتادةُ : بالصَّيحةِ الطاغية المتجاوزةِ للحدِّ، أي : لحد الصيحاتِ من الهولِ، كما قال :﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر ﴾ [ القمر : ٣١ ].
و « الطغيانُ » : مجاوزة الحدِّ، ومنه ﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ ﴾ [ الحاقة : ١١ ]، أي : جاوز الحدَّ.
وقال ابن زيدٍ : بالرجل الطَّاغية، وهو عاقرُ الناقةِ، و « الهاء » فيه للمبالغة على هذه الأوجه صفة.
والمعنى : أهلكوا بما أقدم عليه طاغيهم من عقر الناقة وكان واحداً، وإنما هلك الجميعُ؛ لأنهم رضوا بفعله، ومالئوه.
وقيل له : طاغية كما يقال : فلان راويةٌ وداهيةٌ وعلامةٌ ونسابةٌ.
ويحتمل أن يقال : بسبب الفِرقةِ الطاغيةِ، وهم : التسعة رهطٍ، الذين كانوا يفسدون في الأرض، ولا يصلحون، وأحدهم عاقرُ الناقة.
وقال الكلبيُّ :« بالطَّاغيةِ » : بالصَّاعقةِ.
وقال مجاهدٌ : بالذُّنوبِ.
وقال الحسنُ : بالطُّغيانِ فهي مصدرٌ ك « العاقبة » و « الكاذبة »، أي : أهلكُوا بطغيانهم وكفرهم، وبوضحه :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾ [ الشمس : ١١ ].
قال ابن الخطيب : وهذا منقولٌ عن ابن عبَّاسٍ، قال : وقد طعنوا فيه بوجهين :
الأول : قال الزجاجُ : إنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيءِ الذي وقع به العذابُ، وهو قوله تعالى :﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تحصل المناسبةُ.
والثاني : قال القاضي : لو كان المرادُ ما قالوه لكان من حق الكلام أن يقال : أهْلِكُوا لها ولأجلِها.