والجارية من أسماء السفينة، ومنه قوله تعالى :﴿ وَلَهُ الجوار المنشئات فِي البحر كالأعلام ﴾ [ الرحمن : ٢٤ ]، وغلب استعمالُ الجاريةِ في السفينة؛ كقوله في بعض الألغاز :[ البسيط ]

٤٨٤٤ - رَأيْتُ جَاريَةٌ في بَطْنِ جَارِيَةٍ فِي بَطْنِهَا رجُلٌ في بطْنهِ جَمَلُ
قوله :﴿ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً ﴾، أي : سفينة نوح - ﷺ - جعلها الله تذكرة وعظةً لهذه الأمةِ حتى أدركها أوائلهم. في قول قتادة.
قال ابن جريجِ : كانت ألواحُهَا على الجوديِّ، والمعنى : أبقيتُ لكم الخشباتِ حتى تذكروا ما حلَّ بقوم نوحٍ، وأنجى الله أباكم، وكم من سفينةٍ هلكت وصارت تراباً، ولم يبق منها شيءٌ، وهذا قولُ الفرَّاءِ.
قال ابنُ الخطيبِ : وهذا ضعيفٌ، بل الصوابُ ما قاله الزجاج : أن الضمير في قوله :« لنجعلها » يعود إلى « الواقِعَة » التي هي معلومةٌ، وإن كانت هنا غير مذكورةٍ، والتقدير : لنجعل نجاةَ المؤمنين وإغراق الكافرين عظةً، وعبرةً، ويدل على صحته قوله :﴿ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ فالضمير في قوله :« وتَعِيهَا » لا يمكن عوده إلى السفينة، فكذا الضمير الأول.
قوله :« وتَعِيهَا » العامة : على كسر العين وتخفيف التاء، وهو مضارع « وَعَى » منصوب عطفاً على « لنجْعَلهَا ».
وابن مصرف وأبو عمرو في رواية هارون عنه وقنبل، قال القرطبي : وحميد والأعرج بإسكانها تشبيهاً له ب « رحم، وشهد » وإن لم يكن منه، ولكن صار في اللفظ بمنزلة الفعل الحلقي العين.
قال ابن الخطيب : وروى عن ابن كثيرٍ إسكان العين، جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلةٍ واحدةٍ، فحذف وأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من « فَخْذ وكَبْد وكَتْف »، وإنما فعل ذلك؛ لأن حرف المضارعة لا ينفصل من الفعل، فأشبه ما هو من نفس الكلمة، وصار كقول من قال : وَهْو وَهْي، ومثل ذلك ﴿ وَيَتَّقْهِ ﴾ [ النور : ٥٢ ] في قراءة من سكَّن القاف.
وروي عن حمزة : إخفاء الكسرة.
وروي عن عاصم وحمزة : بتشديد « الياء ».
وهو غلط عليهما، وإنما سمعهما الراوي يثبتان حركة الياء، فظنَّها شدة.
وقيل : أجريا الوصل مجرى الوقف فضعِّف الحرفُ، وهذا لا ينبغي أن يلتفت إليه.
وروي عن حمزة أيضاً، وموسى بن عبد الله العبسي :« وتعِيهَا » بسكون « الياء ».
وفيه وجهان : الاستئناف، والعطف على المنصوب، وإنما سكنا « الياء » استثقالاً للحركة على حرف العلة، كقراءة :


الصفحة التالية
Icon