قال الأخفشُ : ووقع الفعلُ على النَّفخة، إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع، فقيل : نفخة.
قوله :﴿ وَحُمِلَتِ الأرض ﴾، قرأ العامة : بتخفيف « الميم ».
أي : وحملتها الريحُ، أو الملائكةُ، أو القدرةُ، أي : رفعتْ من أماكنها، « فَدُكَّتا »، أي : فُتَّتَا وكسِّرتا، ﴿ دَكَّةً وَاحِدةً ﴾ أي : الأرض والجبالُ؛ لأن المراد الشيئان المتقدمان، كقوله :﴿ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا ﴾ [ الحجرات : ٩ ].
ولا يجوزُ في « دكَّةً » إلا النصبُ؛ لارتفاع الضمير في « دُكَّتَا ».
وقال الفرَّاءُ : لم يقلْ :« فَدُكِكْنَ »؛ لأنه جعل الجبال كلها كالجملةِ الواحدة [ والأرض كالجملة الواحدة ] ومثله :﴿ أَنَّ السماوات والأرض كَانَتَا رَتْقاً ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ]، ولم يقل :« كُنَّ ».
وهذا الدَّكُّ، كالزلزلةِ لقوله تعالى :﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا ﴾ [ الزلزلة : ١ ].
وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنَّها تحمل الأرض والجبال، أو بملك من الملائكة، أو بقدرة الله، « فَدُكَّتَا »، أي : جملة الأرض، وجملة الجبال تضرب بعضها في بعض حتى تندق وتصير ﴿ كَثِيباً مَّهِيلاً ﴾ [ المزمل : ١٤ ]، و ﴿ هَبَآءً مُّنبَثّاً ﴾ [ الواقعة : ٦ ].
والدَّكُّ أبلغُ من الدَّق وقيل :« دُكَّتا » أي : بُسطتا بسطةً واحدةً، ومنه اندكَّ سنامُ البعير، إذا انفرش في ظهره.
وقرأ ابن عامرٍ في رواية، والأعمش، وابن أبي عبلة وابن مقسم :« وحُمِّلت » - بتشديد الميم -.
فجاز أن يكون التشديد للتكثير، فلم يكسب الفعل مفعولاً آخر.
وجاز أن يكون للتعدية فيكسبه مفعولاً آخر، فيحتمل أن يكون الثاني محذوفاً، والأول هو القائمُ مقام الفاعلِ تقديره : وحُمِّلت الأرض والجبال ريحاً تفتتها، لقوله :﴿ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً ﴾ [ طه : ١٠٥ ].
وقيل : التقدير : حملنا ملائكة، ويحتمل أن يكون الأول هو المحذوف، والثاني هو القائم مقام الفاعل.
قوله :« فيَومئذٍ » منصوب ب « وقعت »، و « وقَعَتِ الواقِعَةُ » لا بُدَّ فيه من تأويلٍ، وهو أن تكون « الوَاقعةُ » صارت علماً بالغلبةِ على القيامة، أو الواقعة العظيمة، وإلاَّ فقام القائمُ لا يجوز، إذ لا فائدة فيه، وتقدم هذا في قوله :﴿ إِذَا وَقَعَتِ الواقعة ﴾ [ الواقعة : ١ ]
والتنوين في « يومئذٍ » للعوضِ من الجملة، تقديره : يومئذٍ نُفِخَ في الصُّوْرِ.
فصل في معنى الآية
المعنى قامت القيامة الكبرى ﴿ وانشقت السمآء ﴾ أي : انصدعت وتفطرت.
وقيل : انشقت لنزول الملائكة بدليل قوله تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام وَنُزِّلَ الملائكة تَنزِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٢٥ ] ﴿ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ﴾، أي : ضعيفة مسترخيةٌ ساقطةٌ ﴿ كالعهن المنفوش ﴾ [ القارعة : ٥ ] بعد ما كانت محكمةً.
يقال : وهى البناء يَهِي وهْياً، فهو واهٍ إذا ضعف جدّاً.
ويقال : كلامٌ واهٍ أي : ضعيف.
فقيل : إنَّها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهْي، ويكون ذلك لنزولِ الملائكةِ.
وقيل : لهولِ يوم القيامةِ.
وقال ابن شجرة :« واهية » أي : متخرقة، مأخوذ من قولهم : وهى السِّقاءُ، إذا انخرق.
ومن أمثالهم :[ الرجز ]
٤٨٤٥ - خَلِّ سَبيلَ مَنْ وهَى سِقاؤهُ | ومَنْ هُرِيقَ بالفَلاةِ مَاؤهُ |