قوله تعالى :﴿ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ﴾.
قرأ نافع وابن عامرٍ :« سَالَ سَائِلٌ » بغير همز.
والباقون : بالهمز، فمن همز، فهو من السؤال، وهي اللغةُ الفاشيةُ.
ثم لك في « سأل » وجهان :
أحدهما : أن يكون قد ضمن معنى « دعا » فلذلك تعدَّى بالباءِ، كما تقول : دعوتُ بكذا، والمعنى : دعا داعٍ بعذابٍ.
والثاني : أن يكون على أصله، والباء بمعنى « عن »، كقوله :[ الطويل ]
٤٨٥٦ م - فإنْ تَسْألُونِي بالنِّسَاءِ... | ....................... |
والأول أولى لأن التجوزَ في الفعل أولى منه في الحرف لقوته.
وأما القراءةُ بالألف ففيها ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أنها بمعنى قراءة الهمزة، وإنما خففت بقلبها ألفاً، وليس بقياس تخفيف مثلها، بل قياس تخفيفها، جعلها بَيْنَ بَيْنَ، والباء على هذا الوجه كما في الوجه الذي تقدم.
الثاني : أنَّها من « سَالَ يَسالُ » مثل : خَافَ يخافُ، وعين الكلمة واو.
قال الزمخشريُّ :« وهي لغةُ قريش، يقولون : سلت تسال، وهما يتسايلان ».
قال أبو حيَّان : وينبغي أن يتثبت في قوله :« إنها لغةُ قريش »؛ لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز، أو أصله الهمز، كقراءة من قرأ ﴿ وسَلُوا ﴾ [ النساء : ٣٢ ]، إذ لا يجوز أن يكون من « سَالَ » التي يكون عينها واواً، إذ كان يكون « وسالوا الله » مثل « خافوا » فيبعد أن يجيء ذلك كلُّه على لغةِ غير قريش، وهم الذين نزل القرآنُ بلغتهم إلا يسيراً فيه لغة غيرهم، ثم جاء في كلام الزمخشري : وهما « يتسايلان » بالياء، وهو وهم من النُّساخ، إنما الصواب : يتساولان - بالواو - لأنه صرح أولاً أنه من السؤال، يعني بالواو الصريحة.
وقد حكى أبو زيد عن العرب : إنهما يتساولان.
الثالث : إنها من السَّيلان، والمعنى :« سال » واد في جهنم، يقال له : سايل، وهو قول زيد بن ثابت.
فالعين ياء، ويؤيده قراءة ابن عباس :« سال سيل ».
قال الزمخشريُّ :« والسَّيل مصدر في معنى السَّائل، كالغَوْر بمعنى الغَائِر، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب »، انتهى.
والظاهر الوجه الأول لثبوت ذلك لغة مشهورة، قال :[ البسيط ]
٤٨٥٧ - سَالَتْ هُذيْلٌ رَسُولَ اللَّهِ فَاحشَةً | ضَلَّتْ هُذِيْلٌ بِمَا سَالتْ ولمْ تُصِبِ |
وتخريجها : أن الأصل :« سائل » فحذفت عينُ الكلمة، وهي الهمزة، واللام محل الإعراب، وهذا كما قيل : هذا شاكٍ في شائك السِّلاح. وقد تقدم الكلام على مادة السؤال أول سورة « البقرة » فليلتفت إليه.