قال القرطبيُّ :« ويجوز أن يكون حالاً على أنه حالٌ للمكذبين بخبرها ».
وفي صاحبها أوجه :
أحدها : أنه الضمير المستكنُّ في « لَظَى »؛ وإن كانت علماً فهي جاريةٌ مجرى المشتقات ك « الحارث والعباس »، وذلك لأنها بمعنى التلظِّي، وإذا عمل العلم الصريح والكنية في الظرف، فلأن يعمل العلم الجاري مجرى المشتقات في الأحوال أولى، ومن مجيء ذلك قوله :[ السريع أو الرجز ]
٤٨٦١ - أنَا أبُو المِنْهَالِ بَعْضَ الأحْيَان... ضمنه بمعنى أنا المشهور في بعض الأحيان.
الثاني : أنَّه فاعل « تَدعُو » وقدمت حاله عليه، أي : تدعو حال كونها نزَّاعةً.
ويجوز أن تكون هذه الحالُ مؤكدةً، لأنَّ « لَظَى » هذا شأنها، وهو معروف من أمرها، وأن تكون مبنيةً؛ لأنه أمرٌ توقيفيّ.
الثالث : أنه محذوف هو والعامل تقديره : تتلظَّى نزاعة، ودل عليه « لَظَى ».
الثاني من الوجهين الأولين : أنها منصوبة على الاختصاص، وعبَّر عنه الزمخشريُّ بالتهويل. كما عبَّر عن وجه رفعها على خبر ابتداء مضمر، والتقدير : أعني نزاعةٌ وأخصُّها.
وقد منع المبردُ نصب « نزَّاعة »، قال : لأن الحال إنما يكون فيما يجوز أن يكون وألاّ يكون و « لَظَى » لا تكون إلا نزَّاعةً، قاله عنه مكِّيٌّ.
وردَّ عليه بقوله تعالى :﴿ وَهُوَ الحق مُصَدِّقاً ﴾ [ البقرة : ٩١ ]، ﴿ وهذا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ﴾ [ الأنعام : ١٢٦ ] قال : فالحق لا يكون إلا مصدقاً، وصراط ربِّك لا يكونُ إلاَّ مستقيماً.
قال شهاب الدين : المُبرِّدُ بني الأمر على الحال المبنيةِ، وليس ذلك بلازم؛ إذ قد وردت الحال مؤكدة كما أورده مكيٌّ، وإن كان خلاف الأصلِ، واللظى في الأصل : اللهب، ونقل علماً لجهنم، ولذلك منع من الصرف.
وقيل : هو اسم للدَّركة الثانية من النارِ، والشَّوى : الأطراف جمع شواة، ك « نوى، ونواة »؛ قال الشاعر :[ الوافر ]
٤٨٦٢ - إذَا نَظرَتْ عَرفْتَ النَّحْرَ مِنْهَا... وعَيْنَيْهَا ولمْ تَعْرفْ شَواهَا
يعني : أطرافها.
وقيل : الشَّوى : الأعضاء التي ليست بمقتل، ومنه : رماه فأشواه، أي لم يُصِبْ مقتله، وشوى الفرس : قوائمه، لأنه يقال : عَبْلُ الشَّوى.
وقيل : الشَّوى : جمع شواة وهي جلدة الرأس؛ وأنشد الأصمعي :[ مجزوء الكامل ]
٤٨٦٣ - قَالتْ قُتَيْلَةُ : مَا لَهُ... قَدْ جُلِّلتْ شَيْباً شَواتُه
وقيل : هو جلد الإنسان، والشَّوى أيضاً : رُذال المال، والشيء اليسير.
فصل في معنى الآية
قال ثابت البناني والحسن :« نزَّاعةً للشَّوى » : أي لمكارم وجهه. وعن الحسن أيضاً : إنه الهام.
وقال أبو العالية : لمحاسن وجهه.
وقال قتادة : لمكارم خلقته وأطرافه.
وقال الضحاك : تفري اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً.
وقال الكسائي : هي المفاصل.
وقيل : هي القوائم والجلود.
قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٤٨٦٤ - سَلِيمُ الشَّظَى، عَبْلُ الشَّوى، شَنِجُ النَّسَا... لَهُ حَجَباتٌ مُشرفاتٌ على الفَالِ
قوله :﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ ﴾.