قوله :﴿ إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً ﴾.
قال الضحاك : المرادُ بالإنسان هنا الكافر.
وقيل : عام لأنه استثنى منه المصلين، فدلَّ على أن المراد به الجنس، فهو كقوله :﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ الذين آمَنُواْ ﴾ [ العصر : ٢، ٣ ]. و « هَلُوعاً » حال مقدرة.
والهلع مُفسَّر بما بعده، وهو قوله « إذَا، وإذَا ».
قال ثعلبٌ : سألني محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟.
فقلت : قد فسَّره اللَّهُ، ولا يكون أبينَ من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خيرٌ بخل به ومنعه. انتهى.
وأصله في اللغة على ما قال أبو عبيد : أشدّ الحرص وأسوأ الجزع، وهو قولُ مجاهدٍ وقتادة وغيرهما.
وقد هَلِع - بالكسر - يهلع هلعاً وهلاعاً فهو هلع وهالع وهلوع، على التكثير.
وقيل : هو الجزع والاضطرابُ السريع عند مسِّ المكروه، والمنع السَّريعُ عند مسِّ الخير من قولهم :« ناقةٌ هلوَاع »، أي : سريعة السير، قال المفسرون : معناه : أنه لا يصبر في خير ولا شر، حتى يفعل فيهما ما لا ينبغي.
روى السدِّي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : الهِلوَاع، الحريصُ على ما لا يحل له.
وقال عكرمة : هو الضَّجور.
وقال الضحاك : هو الذي لا يشبع.
والمَنُوع : هو الذي إذا أصاب حق المال منع منه حق الله تعالى.
وقال ابن كيسان : خلق اللَّهُ الإنسان يحبّ ما يسرُّه، ويرضيه، ويهربُ مما يكرهه، ثم تعبّده الله بإنفاق ما يحب والصبر على ما يكرهُ.
وقال أبو عبيدة : الهِلواعُ الذي إذا مسَّهُ الخيرُ لم يشكر، وإذا مسَّهُ الضُّرُّ لم يَصْبِرْ.
وقال ﷺ :« شَرُّ مَا أعْطِي العَبْدُ شُحُّ هَالِعٌ، وجُبْنٌ خَالِعٌ ».
والعرب تقول : ناقةٌ هلواعة، وهلواع إذا كانت سريعة السَّير خفيفة؛ قال :[ الكامل ]

٤٨٦٦ - صَكَّاءُ ذِعلِبةٌ إذَا استَدْبَرْتَهَا حَرَجٌ إذَا اسْتقَبلْتَهَا هِلواعُ
الذِّعِلب والذِّعلِبَة : النَّاقةُ السَّريعةُ.

فصل في إعراب الآية


« جزُوْعاً، ومَنُوعاً » فيهما ثلاثةٌ أوجهٍ :
أحدها : أنهما منصوبان على الحال من الضمير في « هَلُوعاً »، وهو العاملُ فيهما، والتقدير : هَلُوعاً حال كونه جَزُوعاً، وقت مسِّ الشَّرِّ، ومنوعاً وقت مس الخير، والظَّرفان معمولان لهاتين الحالتين.
وعبَّر أبو البقاء عن هذا الوجه بعبارة أخرى فقال :« جَزُوعاً » حال أخرى، والعاملُ فيها « هَلُوعاً ».
فقوله :« أخْرَى » يوهم أنها حالٌ ثانية وليست متداخلة لولا قوله : والعامل فيها هلوعاً.
والثاني : أن يكونا خبرين ل « كان »، أو « صار » مضمرة، أي : إذا مسَّه الشَّرُّ كان، أو صار جَزُوعاً، وإذا مسَّه الخيرُ كان أو صار منوعاً، قاله مكيٌّ.
وعلى هذا ف « إذا » شرطية، وعلى الأول ظرف محض، العامل فيه ما بعده كما تقدم.


الصفحة التالية
Icon