قوله :﴿ والذين في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ﴾.
قال قتادة وابن سيرين : يريد الزكاة المفروضة.
وقال مجاهد : سوى الزكاة، وقال عليُّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : صلة الرَّحمِ وحمل الكل.
والأول أصح؛ لأنه وصف الحق بأنه معلوم، والمعلوم هو المقدر، وسوى الزكاة ليس بمعلوم إنما هو قدرُ الحاجةِ، وذلك يقل ويكثرُ.
وقال ابنُ عباسٍ : من أدَّى زكاة مالهِ فلا جناح عليه أن لا يتصدق، وأيضاً فالله - تعالى - استثناهُ ممن ذمَّه، فدلَّ على أنَّ الذي لا يُعْطِي هذا الحقَّ يكونُ مذموماً، ولا حقَّ على هذه الصفةِ إلا الزكاة.
وقوله :﴿ لِّلسَّآئِلِ والمحروم ﴾. تقدَّم في الذَّاريات.
قوله :﴿ والذين يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدين ﴾ [ المعارج : ٢٦ ]، أي : بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة، أي : يؤمنون بالبعث، والنشور.
﴿ والذين هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴾، أي : خائفون، والإشفاق : الخوف إما من تركِ واجبٍ، وإما من فعلِ محظورٍ، ثم أكَّد ذلك الخوف بقوله :
﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ﴾.
قال ابن عباسٍ : لمن أشرك أو كذَّب أنبياءه.
وقيل : لا يأمنه أحدٌ، بل الواجبُ على كل أحد أن يخافه ويشفق منه.
﴿ والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَأِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابتغى وَرَآءَ ذَلِكَ فأولئك هُمُ العادون ﴾ تقدَّم تفسيرهُ في سورة « المؤمنون » [ المؤمنين : ٥، ٦، ٧ ].
﴿ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ تقدَّم أيضاً [ المؤمنين : ٨ ].
وقرىء :« لأمَانتِهِم » على التوحيد، وهي قراءةُ ابن كثير وابن محيصن.
ف « الأمانة » اسم جنسٍ تدخل فيها أماناتُ الدينِ، فإنَّ الشرائعَ أماناتٌ ائتمنَ اللَّهُ عليها عباده، ويدخل فيها أمانات الناس من الودائع، وقد مضى ذلك.
قوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ ﴾.
قرأ حفص :« بِشَهادَاتِهِمْ » جمعاً، اعتباراً بتعدد الأنواع، والباقون : بالإفراد، أو المرادُ الجنس.
قال الواحديُّ : والإفرادُ أولى؛ لأنه مصدرٌ، فيفرد كما تفرد المصادرُ، وإن أضيف إلى الجمع ك ﴿ لَصَوْتُ الحمير ﴾ [ لقمان : ١٩ ] ومن جمع ذهب إلى اختلافِ الشَّهاداتِ.
قال أكثرُ المفسرينَ : يقومون بالشهادة على من كانت عليه من قريب وبعيد يقومون بها عند الحُكَّام، ولا يكتمونها.
وقال ابن عبَّاس : بشهادتهم : أن الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.
قوله :﴿ وَالَّذِينَ هُمْ على صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾.
قال قتادةُ : على وضوئها وركوعها وسجودها، فالدوام خلاف المحافظة فدوامهم عليها محافظتهم على أدائهِا لا يخلُّون بها، ولا يشتغلون عنها بشيءٍ من الشواغل، ومحافظتهم عليها أن يُراعُو إسباغَ الوضوءِ لها، ومواقيتها، ويقيموا أركانها، ويكملوها بسننها، وآدابها، ويحفظونها من الإحباط باقتراف المآثمِ، فالدوام يرجع إلى نفس الصلوات، والمحافظة على أحوالها، ذكره القرطبيُّ.
ثم قال :﴿ أولئك فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾، أي : أكرمهم الله فيها، بأنواع الكرامات.


الصفحة التالية
Icon