الثالث : أنَّها هاءٌ، وتجمع تكسيراً على « عِزَهٍ » نحو كسرة وكِسَر، واستغني بهذا التكسير عن جمعها بالألف والتاء، فلم يقولوا :« عزات » كما لم يقولوا في « شفة وأمة : شفَات ولا أمات » استغناء ب « شِفَاه وإماء ».
وقد كثر ورودُه مجموعاً ب « الواو » والنون؛ قال الراعي :[ الكامل ]
٤٨٦٨ - أخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّ عَشِيرَتِي | أمْسَى سَرَاتُهُم عِزينَ فُلُولاَ |
٤٨٦٩ - ونَحْنُ وجنْدَلٌ بَاغٍ تَركْنَا | كَتَائِبَ جَنْدلٍ شتَّى عِزينَا |
٤٨٧٠ - وقِرْنٍ قَدْ تَركْتُ لِذِي وليٍّ | عليْهِ الطَّيْرُ كالعُصَبِ العِزينِ |
٤٨٧١ - تَرانَا عِنْدَهُ واللِّيلُ دَاجٍ | عَلى أبْوَابِهِ حِلقاً عِزينَا |
٤٨٧٢ - فَلَمَّا أن أتَيْنَ على أضَاخٍ | تَركْنَ حَصاهُ أشْتَاتاً عِزينَا |
ومنه حديثُ النبي ﷺ « أنه خرج إلى أصحابه فرآهم حلقاً، فقال :» مَا لِي أراكُمْ عِزيْنَ، ألا تصفُّونَ كما تُصَفُّ المَلائِكةُ عِندَ ربِّهَا «، قالوا : وكيف تصف الملائكةُ؟ قال :» يتمون الصف الأول فيتراصون في الصف « ».
وقال الأصمعيُّ : العِزُونَ : الأصنافُ، يقال : في الدَّار عزون، أي : أصناف.
وفي « الصِّحاح » :« العِزَةُ » الفرقة من الناس.
وقيل : العِزَة : الجماعةُ اليسيرةُ كالثلاثة والأربعة.
وقال الراغبُ :« وقيل : هو من قولهم : عَزَا عزاء فهو عز إذا صبر، وتعزَّى : تصبَّر، فكأنَّها اسم للجماعة التي يتأسَّى بعضها ببعض ».
قال القرطبيُّ : ويقال : عِزُونَ، وعُزُون - بالضم - ولم يقولوا : عزات، كما قالوا : ثبات، قيل : كان المستهزئون خمسة أرهُطٍ.
وقال الأزهريُّ : وأصلها من قولهم : عَزَا فلانٌ نفسه إلى بني فلانٍ يعزوها عزواً إذا انتمى إليهم، والاسم :« العَزْوَة »، كلُّ جماعةٍ اعتزوها إلى آخر واحد.
قوله :﴿ أَن يُدْخَلَ ﴾.
العامة : على بنائه للمفعول.
وزيد بن علي، والحسن، وابن يعمر، وأبو رجاء، وعاصم في رواية، قال القرطبي : وطلحة بن مصرف، والأعرج على بنائه للفاعل.
فصل في تعلق الآية بما بعدها
لما قال المستهزئون : إن دخل هؤلاء الجنَّة كما يقولُ محمدٌ فلندخلنَّها قبلهم، أجابهم الله - تعالى - بقوله :﴿ كَلاَّ ﴾ لا يدخلونها، ثم ابتدأ فقال :﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴾ أي : أنهم يعلمون أنهم مخلوقون من نُطفةٍ، ثم من علقة، ثم كما خلق سائر جنسهم، فليس لهم فضلٌ يستوجبون به الجنة، وإنما يستوجب بالإيمان، والعمل الصالح، ورحمة الله تعالى.
وقيل : كانوا يستهزئون بفقراء المسلمينَ ويتكبرون عليهم، فقال :﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴾، أي : من القذر، فلا يليقُ بهم هذا التكبرُ.
وقال قتادة في هذه الآيةِ : إنَّما خلقت يا ابن آدم من قذرٍ فاتَّقِ اللَّهَ.
وروي أنَّ مطرف بن عبد الله بن الشِّخيرِ، رأى المهلَّب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خَزّ وجُبة خَزّ، فقال له : يا عبد الله، ما هذه المشية التي يبغضها الله؟.