قال شهاب الدين : ليس مذهبهم ذلك؛ لأنهم يشترطون تنكير مجرورها، ولا يشترطون غيره. والأخفش لا يشترط شيئاً، فزيادتُها هنا ماشٍ على قوله لا على قولهم.
قال القرطبي : وقيل : لا يصح كونها زائدة؛ لأن « مِنْ » لا تزاد في الواجب، وإنما هي هنا للتبعيض، وهو بعض الذنوب، وهو ما لا يتعلق بحقوق المخلوقين.
وقال زيد بن أسلم : المعنى يُخرِجُكم من ذنوبكم.
وقال ابن شجرة : المعنى يغفر لكم من ذنوبكم ما استغفرتموه منها.
قوله :﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ ﴾.
قال الزمخشريُّ : فإن قلت : كيف قال :« يُؤخِّركُمْ » مع إخبارهِ بامتناع تأخيره؟.
قلتُ : قضى الله أنَّ قوم نوحٍ إن آمنوا عمَّرهُم ألف سنةٍ، وإن بقُوا على كفرهم أهلكهم على رأس تسعمائة، قيل لهم : إن آمنتم أخِّرتُم إلى الأجلِ الأطولِ، ثم أخبرهُم أنه إذا جاء ذلك الأجل الأمد لا يؤخَّرُ انتهى.
وقد تعلَّق بهذه الآية من يقول بالأجلين وتقدم جوابه.
وقال ابن عباسٍ : أي : يُنْسِىءُ في أعماركم، ومعناه : أنَّ الله - تعالى - كان قضى قبل خلقهم، إنْ هم آمنوا بارك في أعمارهم وإن لم يؤمنوا عوجلوا بالعذاب.
وقال مقاتل : يؤخركم إلى منتهى أعماركم في عافية فلا يعاقبكم بالقحطِ وغيره، فالمعنى على هذا : يؤخركم من العقوبات والشدائد إلى آجالكم.
وقال الزجاج :« أي يؤخركم عن العذاب، فتموتوا غير موتة المستأصلين بالعذاب ».
وعلى هذا قيل : أجل مسمى عندكم تعرفونه لا يميتكم غَرْقاً ولا حَرْقاً ولا قَتْلاً، ذكره الفراء. وعلى القول الأول أجل مسمى عند الله.
قوله :﴿ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ ﴾، أي : إذا جاء الموتُ لا يؤخَّر بعذاب كان، أو بغير عذاب، وأضاف الأجلَ إليه سبحانه؛ لأنه الذي أثبته، وقد يضاف إلى القوم كقوله تعالى :﴿ إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ ﴾ [ يونس : ٤٩ ] ؛ لأنه مضروبٌ لهم، و « لَوْ » بمعنى « إنْ » أي : إن كنتم تعلمون.
وقال الحسن : معناه : لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجل الله إذا جاء لا يُؤخَّرُ.
وعلى هذا يكون جوابُ « لَوْ » محذوفاً تقديره : لبادرتم إلى ما أمركم به أو لعلمتم كما قال الحسن.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً ﴾، وهذان ظرفان ل « دَعوْتُ »، والمراد : الإخبار باتصال الدعاء وأنَّه لا يفتر عن ذلك وقيل : معناه سراً وجهراً ﴿ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعآئي إِلاَّ فِرَاراً ﴾، أي : تباعداً من الإيمان، وهذا استثناء مفرغ وهو مفعول ثان.
وقراءة العامة : بفتح الياء من « دُعَائِي ».
وأسكنها الكوفيُّون، ويعقوب والدوري عن أبي عمرو.
قوله :﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ﴾، أي : إلى سبب المغفرةِ، وهي الإيمانُ بك والطاعة لك ﴿ جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ ﴾ لئلاَّ يسمعُوا دُعائِي ﴿ واستغشوا ثِيَابَهُمْ ﴾ أي : غطُّوا بها وجوههم لئلاَّ يرون.
قال ابن عبَّاسٍ : جعلوا ثيابهم على رءوسهم لئلاَّ يسمعوا كلامي، فاستغشاءُ الثِّياب إذن زيادة في سدِّ الآذان حتى لا يسمعوا، أو لتنكيرهم أنفسهم حتى يسكت، أو ليعرفوه إعراضهم عنه.