فصل في بيان أنه لا يدعى على كافر معين
قال ابن العربي : دعا نوح على الكافرين أجمعين ودعا النبي ﷺ على من تحزب على المؤمنين وألّبَ عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكافرين في الجملة فأمَّا كافر معين لم تعلم خاتمته فلا يدعى عليه؛ لأن مآله عندنا مجهول، وربما كان عند الله معلوم الخاتمة بالسعادة وإنما خص النبي ﷺ بالدعاء على عُتبةَ وشَيبَةَ وأصحابه لعلمه بمآلهم وما كشف له من الغطاء عن حالهم. والله أعلم.
قوله :﴿ رَّبِّ اغفر لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾.
العامة : على فتح الدال على أنه تثنية والد؛ يريد : أبويه.
واسم أبيه : لملك بن متوشلخ، واسمه أمه : شمخى بنت أنوش، وكانا مؤمنين.
وحكى الماورديُّ : اسم أمه : منجل.
وقرأ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - ويحيى بن يعمر والنخعيُّ : ولولدي، تثنية ولد يعني : ابنيه ساماً وحاماً.
وقرأ ابن جبير والجحدري :« ولوالدِي » - بكسر الدال - يعني أباه.
فيجوز أن يكون أراد أباه الأقرب الذي ولده، وخصَّه بالذَّكر لأنه أشرف من الأم، وأن يريد جميع من ولده من لدن آدم إلى زمن من ولده.
قال الكلبيُّ : كان بينه وبين آدم عشرة آباء كلهم مؤمن.
وذكر القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لم يكفر لنوح والد فيما بينه وبين آدم عليهما الصلاة والسلام.
قوله ﴿ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً ﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنه : أي : مسجدي ومصلاي، « مُؤمِناً »، أي : مُصدِّقاً بالله، ف « مُؤمِناً » حال، وكان إنما يدخل بيوت الأنبياء من آمن بهم، فجعل المسجد سبباً للدعاء بالمغفرة.
وقيل : المراد بقوله « بيتي »، أي : سفينتي.
وقال ابن عباس : أي : دخل في ديني.
فإن قيل : فعلى هذا يصير قوله :« مُؤمِناً » مكرراً.
فالجواب : إنَّ من دخل في دينه ظاهراً قد يكون مُؤمناً، وقد لا يكون مؤمناً، فالمعنى : ولمن دخل دخولاً مع تصديق القلبِ.
قوله :﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات ﴾، خصَّ نفسه أولاً بالذكر والدعاء، ثم المتصلين به لأنَّهم أولى، وأحق بدعائه، ثم عمَّ المؤمنين، والمؤمناتِ إلى يوم القيامة، قاله الضحاك.
وقال الكلبيُّ : من أمة محمدٍ ﷺ.
وقيل : من قومه، والأول أظهر، ثم ختم الكلام مرةً أخرى بالدعاءِ على الكافرين [ فقال :﴿ وَلاَ تَزِدِ الظالمين إِلاَّ تَبَاراً ﴾، أي : هلاكاً، ودماراً، والمراد بالظالمين : الكافرين ] فهي عامة في كل كافر ومشرك.
وقيل : أراد مشركي قومه، و « تَبَاراً » مفعول ثاني، والاستثناءُ مفرغ، والتبار : كل شيء أهلك فقد تبر، ومنه قوله تعالى :﴿ إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ ﴾ [ الأعراف : ١٣٩ ].
وقيل : التَّبارُ الخُسران.
قال المفسّرون : فاستجاب الله دعاءه فأهلكهم.
روى الثعلبيُّ عن أبيِّ بن كعب قال : قال رسول الله ﷺ :« مَنْ قَرَأ سُورةَ نُوحٍ، كَانَ مَنَ المُؤمِنْينَ الَّذينَ تُدركُهمْ دَعْوَة نُوحٍ عليْهِ السَّلامُ ».