وقيل : الكاف في موضع نصب بفعل مقدر تقديره : تَتْرُكُهْم كَأَنَّهم أَعْجَازٌ. قاله مَكِّي.
ولو جعل مفعولاً ثانياً على التضمين أي تصيرهم بالنزع كأنهم لَكَان أقرب.
والأعجاز جمع عَجُز وهو مؤخر الشيء، ومنه العَجْز، لأنه يؤدي إلى تأخر الأمور. والمُنْقَعِرُ : المنقلع من أصله ( يقال ) قَعَرْتُ النَّخْلَةَ قَلَعْتُهَا من أصلها فانْقَعَرَتْ. وقَعَرْتُ البئْرَ : وَصلتُ إِلى قَعْرِهَا وقَعَرْتُ الإِناء شَرِبْتُ ما فيه حتى وصلت إِلى قَعْرِهِ، وأَقْعَرْتُ البِئْرَ أي جَعَلْتُ له قَعْراً.
فصل
تنزع الناس تَقْلَعُهُمْ ثُمَّ تَرْمِي بهم على رؤوسهم فتدق رِقَابَهُمْ. وروي : أنها كانت تنزع الناس من قبورهم كأنهم أعجاز نخل. قال ابن عباس ( رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ) أصولها. وقال الضحاك : أوراك نخل منقعر منقلع من مكانه ساقطٍ على الأرض وقال : أعجاز نخل وهي أصولها التي قلعت فروعها، لأن الكفّار تبين رؤوسهم من أجسادهم فتبقى أجسادهم بلا رؤوس. قال ابن الخطيب : تَنْزِعُهُمْ بعُنْف كأنهم أعجاز نخل منقعر فينقعروا.
وهذا إشارة إلى قوتهم وثباتهم على الأرض، ويكون ذلك إشارةً إلى عظم أجسادهم أو إلى ثباتهم في الأرض فكأنهم كانوا يجعلون أرجُلهمْ في الأرض ويقصدون المنع به على الرِّيح.
قال ابن إسحاق : لما هاجت الريح قام سبعة نَفَر من عاد من أقواهُم وأحْسَمِهمْ منهم عمرو بنُ الحُلِيّ، والحارث بن شدّاد والهِلْقَامُ وابنا تِقْن وخَلْجَانُ بن سعد فألجأوا العِيَالَ في شِعْب بينٍ جَبَلَيْن ثم اصطفّوا على جانبي الشِّعْب ليردُّوا الريح عمن في الشِّعْب من العِيال فجعلت الريح تَجْعفُهُمْ رجلاً بعد رجلٍ، فقالت امرأة عاد :
٤٥٩٩- ذَهَبَ الدَّهْرُ بِعَمْرِو بْ | نِ حُلِيٍّ والهَنِيَّاتِ |
ثُمَّ بالحَارِثِ والهِلْ | لقَام طلاَّعِ الثَّنِيَّاتِ |
والَّذِي سَدَّ مَهَبَّ الرْ | رِيحِ أَيَّامَ البَلِيَّاتِ |
فصل
( قال ) المفسرون : ذكر النخل هنا، وقال :« منقعر » وأنثه في الحاقّة، وقال : أعجاز نخل خاوية لأجل الفواصل كقوله : مُسْتَمِرّ، ومُنْهَمِر، ومُنْتَشِر.
وقيل : إِن النَّخْل لفظه لفظ واحد، ومعناه الجمع، فيقال : نَخْلٌ مُنْقَعِرٌ، ومُنْقَعِرَةٌ ومُنْقَعِرَاتٌ، ونَخْلٌ خاوٍ وخَاوِيةٌ وخَاوِيَاتٌ ونَخْلٌ بَاسِقٌ وبَاسِقَةٌ وبَاسِقَاتٌ.
فإِذا قيل :« منقعر أو خاو أو باسق » فبالنظر إلى اللفظ، وإذا قيل : مُنْقَعِرَاتٌ أو خاويات أو باسقاتٌ فلأجل المعنى.
قال أبو بكر بن الأنباري : سُئِلَ المُبَرِّدُ بحضرة القَاضي إسرفيل عن ألف مسألة هذه من جُمْلَتِهَا فقال : ما الفرق بين قوله تعالى :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح عَاصِفَةً ﴾ [ الأنبياء : ٨١ ] وقال :﴿ جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ ﴾ [ يونس : ٢٢ ]، وقوله :﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٧ ] و ﴿ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ ﴾ ؟ فقال : كلّ ما ورد عليك من هذا القرآن، فإن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً.
قال ابن الخطيب : ذكر الله لفظ النخل في مواضع ثلاثة ووصفها على الأوجه الثلاثة، قال :﴿ والنخل بَاسِقَاتٍ ﴾ [ ق : ١٠ ] وذلك حال عنها وهي كالوصف وقال :« نَخْلٍ خَاوِيَةٍ » و « نَخْلٍ مُنْقَعرٍ » فحيث قال :« مُنْقَعِرٍ » كان المختار ذلك، لأن المنقعر في حقيقة الأمر كالمَفْعُول؛ لأنه ورد عليه القَعْر، فهو مَقْعُورٌ، و « الخَاوِي والباسق » فاعل وإخلاء المفعول من علامة التأنيث أولى، تقول : امْرَأَةٌ قَتِيلٌ.