قوله تعالى :﴿ هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون ﴾ أي يقال لهم : هذه جهنّم.
قال ابن الخطيب : ويحتمل أن يقال : معناه هذه صفة جهنم، فأقيم المضاف إليه مقام المضاف، وقد يكون المشار إليه هو ما تقدم.
قال : والأقوى أن يقال : الكلام تم عند قوله تعالى :﴿ بالنواصي والأقدام ﴾، وقوله تعالى :﴿ هذه جَهَنَّمُ ﴾ لقربها، كما يقال : هذا زيد قد وصل إذا قرب مكانه، فكأنه قال : جهنم التي يكذب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم، ويؤيده قوله :« يُكَذِّبُ »؛ لأن الكلام لو كان بإضمار يقال، لقال تعالى لهم :( هذه جهنم التي كذب بها المجرمون ) ؛ لأن في ذلك اليوم لا يبقى تكذيب.
قوله تعالى :« يَطُوفُونَ ».
قراءة العامة :« يَطُوفون » من « طاف »، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وأبو عبد الرحمن :« يُطَافُونَ » مبنيًّا للمفعول، من أطافهم غيرهم.
والأعمش وطلحة وابن مقسم :« يُطَوِّفُون » بضم الياء وفتح الطاء وكسر الواو مشددة، أي يطوفون أنفسهم.
وقرأت فرقة :« يَطَّوَّفُونَ » بتشديد الطَّاء والواو، والأصل :« يتطوّفون ».
قوله تعالى :﴿ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ أي : حَارّ متناهٍ في الحرارة، وهو منقوص ك « قاض » يقال :« أتَى يَأتِي فهو آتٍ » ك « قَضَى يَقْضِي فهو قَاضٍ ». وقد تقدم في « الأحزاب ».
قال قتادة : يطوفون مرة بين الحميم، ومرة بين الحميم والجحيم.
و « الحميم » : الشّراب. وفي قوله تعالى :« آنٍ » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الذي انتهى حرّه وحميمه. قاله ابن عبَّاس، وسعيد بن جبير، والسدي، ومنه قول النابغة الذبياني :[ الوافر ]
٤٦٥٠- وتُخْضَبُ لِحْيَةٌ غَدَرَتْ وخَانَتْ | بأحْمَرَ مِنْ نَجِيعِ الجَوْفِ آنِ |
وعن كعب : أنه الحاضر، وعنه أيضاً :« آن » اسم واد من أودية جهنّم.
وقال مجاهد : إنه الذي قد آنَ شربه، وبلغ غايته.
ثم قال :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾.
فإن قيل : هذه الأمور ليست نعمة، فكيف قال : بأي آلاء؟.
فالجواب من وجهين.
أحدهما : أن ما وصف من هَوْلِ القيامة، وعقاب المجرمين فيه زَجْر عن المعاصي، وترغيب في الطَّاعات وهذا من أعظم النعم.
« روي أن النبي ﷺ أتى على شاب في الليل يقرأ :﴿ فَإِذَا انشقت السمآء فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدهان ﴾ فوقف الشَّاب، وخنقته العبرة، وجعل يقول : ويحي من يوم تنشقُّ فيه السماء وَيْحِي، فقال النبي ﷺ :» ويحك يا فتى، يأتيني مثلها، فوالذي نَفْسِي بيدهِ لقَدْ بَكَتْ ملائكةُ السَّماءِ منْ بُكائِكَ « ».
الثاني : أن المعنى كذبتم بالنعم المتقدمة ما استحقيتم هذه العقوبات، وهي دالة على الإيمان بالغيب، وهو من أعظم النعم.