قوله :« وعَبْقريّ حِسَان ».
الجمهور على أن « عبقري » منسوب إلى عبقر، تزعم العرب أنها بلد الجن.
قال ابن الأنباري : الأصل فيه أن « عَبْقَرَ » قرية تسكنها الجن ينسب إليها كل فائق جليل.
وقال الخليل : كل منافس فاضل فاخر من الرجال والنساء وغيرهم عند العرب عبقري.
ومنه قول النبي ﷺ في عمر - رضي الله عنه - :« فَلَمْ أرَ عَبْقريًّا من النَّاسِ يَفْرِي فرْيَه ».
وقال أبو عمرو بن العلاء، وقد سئل عن قوله ﷺ :« فَلَمْ أرَ عَبْقريًّا من النَّاسِ يَفْرِي فرْيَه » ؛ فقال : رئيس قوم وجليلهم.
وقال زهير :[ الطويل ]
٤٦٦٧- بِخَيْلٍ عليْهَا جنَّةٌ عبْقريَّةٌ | جَدِيرُونَ يوماً أن ينَالُوا فَيستعْلُوا |
٤٦٦٨-.................. | كُهُولٌ وشُبَّانٌ كَجِنَّةِ عَبْقَرِ |
وفي الحديث :« أنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ على عَبْقَرِيّ » وهو البُسُط التي فيها الأصباغ، والنقوش، والمراد به في الآية : قيل : البسط التي فيها الصّور والتماثيل وقيل : الزَّرابي.
وقيل : الطَّنافس.
وقيل : الدِّيباج الثَّخين.
« عَبْقَرِي » جمع عبقرية، فيكون اسم جنس كما تقدم في « رفرف ».
وقيل : هو واحد دالّ على الجمع، ولذلك وصف ب « حِسَان ».
قال القرطبي : وقرأ بعضهم :« عَباقِريٌّ حِسَان » وهو خطأ؛ لأن المنسوب لا يجمع على نسبته.
وقال قطرب : ليس بمنسوب، وهو مثل :« كُرسيِّ وكَراسِيّ، وبُختيِّ وبخاتِي ».
قوله :﴿ تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام ﴾.
قرأ ابن عامر :« ذُو الجلالِ » بالواو، جعله تابعاً للاسم، وكذا هي مرسومة في مصاحف الشَّاميين.
قال القرطبي :« وذلك يقوي كون الاسم هو المسمّى ».
والباقون : بالياء، صفة للربّ، فإنه هو الموصوف بذلك، وأجمعوا على أن الواو في الأولى إلا من استثنى فيما تقدم.
فصل في تحرير معنى تبارك
« تبارك » تفاعل من « البركة ».
قال ابن الخطيب : وأصل التَّبارك من التَّبرك، وهو الدوام والثبات، ومنه برك البعير وبركة الماء، فإن الماء يكون فيها دائماً.
والمعنى : دام اسمه وثبت، أو دام الخير عنده؛ لأن البركة وإن كانت من الثبات، لكنها تستعمل في الخير، أو يكون معناه : علا وارتفع شأنه.
فصل في مناسبة هذه الآية لما قبلها
قال القرطبي : كأنه يريد به الاسم الذي افتتح به السُّورة، فقال :« الرحمن » فافتتح بهذا الاسم، فوصف خلق الإنسان والجن، وخلق السموات والأرض وصنعه، وأنه ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [ الرحمن : ٢٩ ] ووصف تدبيره فيهم، ثم وصف يوم القيامة وأهوالها وصفة النار، ثم ختمها بصفة الجنان، ثم قال في آخر السورة :﴿ تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام ﴾ أي : هذا الاسم الذي افتتح به هذه السورة، كأنه يعلمهم أن هذا كله فرج لكم من رحمتي، فمن رحمتي خلقتكم، وخلقت لكم السماء والأرض، والخليقة، والخلق، والجنة والنَّار، فهذا كله لكم من اسم الرحمن، فمدح اسمه فقال :﴿ تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ﴾، ثم قال :﴿ ذِي الجلال والإكرام ﴾ أي : جليل في ذاته كريم في أفعاله.