﴿ فَأَصْحَابُ الميمنة ﴾ [ الواقعة : ٨ ] أي : إذا وقعت بانت أحوال الناس فيها.
التاسع : أن جواب الشرط، قوله :﴿ فَأَصْحَابُ الميمنة ﴾ [ الواقعة : ٨ ] إلى آخره، و « لِوقعَتِهَا » خبر مقدم، و « كاذبة » اسم مؤخر.
و « كاذبة » يجوز أن تكون اسم فاعل، وهو الظَّاهر، وهو صفة لمحذوف، فقدر الزمخشري :« نفس كاذبة ».
أي : أن ذلك اليوم لا يكذب على الله أحد، ولا يكذِّب بيوم القيامة أحد.
ثم قال :« و » اللام « مثلها في قوله :﴿ قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾ [ الفجر : ٢٤ ]، أو ليس نفس تكذبها، وتقول لها : لم تكوني كما لها اليوم نفوس كثيرة يكذبنها اليوم، يقلن لها : لن تكوني، أو هي من قولهم : كَذَبَتْ فُلاناً نفسُه في الخَطْبِ العظيم إذا شجعته على مباشرته، وقالت له : إنك تطيقه وما فوقه، فتعرض له ولا تبال به، على معنى أنها وقعة لا تُطاق شدة وفظاعة، وأن لا نفس حينئذ تحت صاحبها بما تحدثه به عند عظائم الأمور وتزين له احتمالها وإطاقتها؛ لأنهم يومئذ أضعف من ذلك وأذلّ، ألا ترى إلى قوله ﴿ كالفراش المبثوث ﴾ [ القارعة : ٤ ]، والفراش مثل في الضعف ».
وقدره ابن عطية :« حال كاذبة ».
قال : ويحتمل الكلام على هذا معنيين :
أحدهما : كاذبة أي : مكذوبة فيما أخبر به عنها، فسماها كاذبة لهذا، كما تقول : هذه قصّة كاذبة، أي : مكذوب فيها.
والثاني : حال كاذبة أي : لا يمضي وقوعها، كقولك : فلان إذا حمل لم يكذب.
والثالث :« كاذبة » مصدر بمعنى التَّكذيب. نحو ﴿ خَآئِنَةَ الأعين ﴾ [ غافر : ١٩ ].
قال الزمخشري : وقيل :« كاذبة » مصدر ك « العاقبة » بمعنى التكذيب من قولك : حمل فلان على قرنه فما كذب، أي فما جبن ولا تثبَّط، وحقيقته فما كذب نفسه فيما حدثته به من إطاقته له وإقدامه عليه وأنشد ل « زهير » :[ البسيط ]

٤٦٦٩-................... إذَا مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرانِهِ صَدَقَا
أي : إذا وقعت لم يكن لها رجعة ولا ارتداد انتهى.
وهو كلام حسن جدًّا.
ثم لك في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها لا محلّ لها من الإعراب، إما لأنها ابتدائية، ولا سيما على رأي الزمخشري، حيث جعل الظرف متعلقاً بها.
وإما لأنها اعتراضية بين الشرط وجوابه المحذوف.
الثاني : أن محلّها النصب على الحال. قاله ابن عطية.
ولم يبين صاحب الحال، ماذا؟.
وهو واضح إذ لم يكن هنا إلاَّ الواقعة، وقد صرَّح أبو الفضل بذلك.
وقرأ العامة : برفع « خَافِضَةٌ ورافِعَةٌ » على أنها خبر ابتداء مضمر، أي : هي خافضة قوماً إلى النَّار، ورافعة آخرين إلى الجنة، فالمفعول محذوف لفهم المعنى.
أو يكون المعنى أنها ذات خفض ورفع، كقوله :﴿ يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [ البقرة : ٢٥٨ ]، ﴿ وَكُلُواْ واشربوا ﴾ [ البقرة : ١٨٧ ].
وقرأ زيد بن علي وعيسى والحسن، وأبو حيوة، وابن مقسم واليزيدي : بنصبهما على الحال.


الصفحة التالية
Icon