قوله :﴿ والسابقون السابقون ﴾. فيه أوجه :
أحدها : أنها مبتدأ وخبر، وفي ذلك تأويلان :
أحدهما : أنه بمعنى : السابقون هم الذين اشتهرت حالتهم بذلك.
كقولهم :« أنت أنت، والناس الناس ».
وقوله :[ الرجز ]

٤٦٧١- أنَا أبُو النَّجْمِ وشِعْرِي شِعْرِي وهذا يقال في تعظيم الأمر وتفخيمه، وهو مذهب سيبويه.
التأويل الثاني : أن متعلق السابقين مختلف؛ إذ التقدير : والسَّابقون إلى الإيمان السابقون إلى الجنة، أو السابقون إلى طاعة الله السَّابقون إلى رحمته، أو السابقون إلى الخير السابقون إلى الجنَّة.
الوجه الثاني : أن يكون السَّابقون الثاني تأكيداً للأول تأكيداً لفظيًّا، و « أولئك المُقرَّبُون » جملة ابتدائية في موضع خبر الأول، والرابط : اسم الإشارة، كقوله تعالى :﴿ وَلِبَاسُ التقوى ذلك خَيْرٌ ﴾ [ الأعراف : ٢٦ ]، في قراءة برفع « لِبَاس » في أحد الأوجه.
الثالث : أن يكون « السابقون » الثاني نعتاً للأول، والخبر الجملة المذكورة.
وهذا ينبغي ألا يعرج عليه، كيف يوصف الشيء بلفظه، وأي فائدة في ذلك؟.
قال شهاب الدين : والأقرب عندي إن وردت هذه العبارة ممن يعتبر أن يكون سمى التَّأكيد صفة، وقد فعل سيبويه قريباً من هذا.
الرابع : أن يكون الوقف [ على قوله ] « والسَّابقون »، ويكون قوله ﴿ السَّابقون، أولئك المقربون ﴾ ابتداء وخبراً.
وهذا يقتضي أن يعطف « والسَّابقون » على ما قبله، لكن لا يليق عطفه على ما قبله، وإنما يليق عطفه على أصحاب الميمنة، كأنه قيل : وأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة والسابقون، أي : وما السابقون؟ تعظيماً لهم، فيكونون شركاء أصحاب الميمنة في التعظيم، ويكون قوله على هذا :﴿ وأصحاب المَشْأمة ما أصحاب المشأمة ﴾ اعتراضاً بين المتعاطفين، وفي هذا الوجه تكلف كثير جداً.

فصل في المراد بالسابقين


قال ﷺ :« السَّابقُون الَّذينَ إذَا أعْطُوا الحقَّ قبلوهُ، وإذا سُئِلُوه بذلُوهُ، وحَكمُوا للنَّاسِ كحُكْمِهِمْ لأنفُسِهِمْ ».
ذكره المهدوي.
وقال محمد بن كعب القرظي : هم الأنبياء.
وقال الحسن وقتادة : هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة.
وقال محمد بن سيرين : هم الذين صلّوا إلى القبلتين، قال تعالى :﴿ والسابقون الأولون مِنَ المهاجرين والأنصار ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ].
وقال مجاهد والضحاك : هم السَّابقون إلى الجهاد، وأول الناس رواحاً إلى صلاة الفرائض في الجماعة وقال علي رضي الله عنه : هم السابقون إلى الصَّلوات الخمس.
وقال سعيد بن جبير : إلى التوبة، وأعمال البر، قال تعالى :﴿ وسارعوا إلى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات والأرض ﴾ [ آل عمران : ١٣٣ ] ثم أثنى عليهم فقال :﴿ أولئك يُسَارِعُونَ فِي الخيرات وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٦١ ].
وقيل : إنهم أربعة : منهم سابق أمة موسى، وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى، وهو حبيب النَّجَّار صاحب « أنْطَاكية »، وسابقان في أمّة محمد ﷺ، وهما أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - قاله ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon