قوله تعالى :﴿ وَأَصْحَابُ اليمين مَآ أَصْحَابُ اليمين ﴾.
رجع إلى ذكر أصحاب الميمنة، والتكرير لتعظيم شأن النَّعيم.
فإن قيل : ما الحكمة في ذكرهم بلفظ « أصحاب الميمنة » عند تقسيم الأزواج الثلاثة؟ فلفظ « أصحاب الميمنة » « مَفْعَلَة » إمَّا بمعنى موضع اليمين [ كالحكمة موضع الحكم، أي : الأرض التي فيها « اليمن »، وإمَّا بمعنى موضع اليمين ] كالمنارة موضع النار، والمِجْمَرة موضع الجمرة، وكيفما كان، فالميمنة فيها دلالة على الموضع، لكن الأزواج الثلاثة في أول الأمر يتميزون بعضهم عن بعض ويتفرَّقون، لقوله تعالى :﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [ الروم : ١٤ ]، وقال :﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ [ الروم : ٤٣ ] فيتفرقون بالمكان، فأشار إليهم في الأول بلفظ يدلّ على المكان، ثم عند الثواب وقع تفريقهم بأمر منهم لا بأمر هم فيه وهو المكان، فقال :« وأصْحَابُ اليَمِينِ » أي الذين يأخذون كتبهم بأيمانهم.
وقيل : أصحاب القوة.
وقيل : أصحاب النور.
قوله :﴿ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾.
قال ابن عبَّاس وغيره :﴿ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾ أي : في نَبْق قد خُضِدَ شَوْكُه.
وذكر ابن المبارك قال : أخبرنا صفوان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة، قال : كان أصحاب النبي ﷺ يقولون : إنه لينفعنا الأعراب ومسائلهم، قال :« أقبل أعرابي يوماً، فقال : يا رسول الله : لقد ذكر الله شجرة في القرآن مُؤذية، وما كنت أرى في الجنة شجرة تؤذي صاحبها؟.
فقال رسول الله ﷺ : ومَا هِيَ؟.
قال : السِّدْر، فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله ﷺ :»
أو لَيْسَ يقولُ :« سِدْرٌ مخْضُودٌ » خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً، يفتق الثمر منها عن اثنين وسبعين لوناً من الطعام، ما فيه لون يشبه الآخر « ».
وقال أبو العالية والضحاك : نظر المسلمون إلى « وجٍّ » - وهو واد ب « الطائف » مخصب - فأعجبهم سدره، فقالوا : يا ليت لنا مثل هذه، فنزلت.
قال أمية بن أبي الصَّلت رضي الله عنه يصف الجنَّة :[ الكامل ]

٤٦٨٧- إنَّ الحَدَائِقَ في الجِنَانِ ظَليلَةٌ فِيهَا الكَواعِبُ سِدْرُهَا مَخْضُودُ
وقال الضحاك ومجاهد ومقاتل بن حيان :« في سدر مخضود » هو الموقر حملاً.
وقال سعيد بن جبير : ثمرها أعظم من القلال.
قوله :﴿ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴾.
و « الطَّلْحُ » : جمع الطَّلحة. قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين : الطَّلْح : شجر الموز، واحده طلحة.
وقال الحسن : ليس موزاً، ولكنه شجر له ظل بارد رطب.
وقال الفرَّاء وأبو عبيدة : شجر عظام له شوك.
قال الجعديُّ :[ الرجز ]
٤٦٨٨- بَشَّرها دليلُها وقَالاَ غَداً تَريْنَ الطَّلْحَ والحِبَالا
ف « الطَّلْح » : كل شجر عظيم كثير الشوك.
وقال الزجاج : هو شجر أم غيلان.


الصفحة التالية
Icon