كقوله :[ الكامل ]

٤٦٩٢-....................... فَأبِيتُ لا حَرجٌ ولا مَحْرُومُ
قال الضَّحاك :« لا بَارِدٍ » بل حار؛ لأنه من دخان سعير جهنم، « ولا كَرِيم » عذب.
وقال سعيد بن المسيّب : ولا حسن منظره، وكل ما لا خير فيه، فليس بكريم.
وقيل :﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ أي : من النَّار يعذبون بها كقوله تعالى :﴿ لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ﴾ [ الزمر : ١٦ ].
قال الزمخشري :« كرم الظل نفع الملهوف، ودفع أذى الحرّ عنه ».
قال ابن الخطيب : ولو كان كذلك لكان البارد والكريم بمعنى واحد، والأقوى أن يقال : فائدة الظل أمران :
أحدهما : دفع الحر.
والآخر : كون الإنسان فيه مكرماً؛ لأن الإنسان في البرد يقصد الشمس ليدفأ بحرّها إذا كان قليل الثِّياب، وفي الحرّ يطلب الظِّل لبرده، فإذا كان من المكرمين يكون أبداً في مكان يدفع الحر والبرد عن نفسه، فيحتمل أن يكون المراد هذا.
ويحتمل أن يقال : الظل يطلب لأمر حسّي، وهو يرده، ولأمر عقلي وهو التّكرمة، وهذا معنى ما نقله الواحدي عن الفرَّاء بنفي كل شيء مستحسن، فيقولون :« الدار لا واسعة ولا كريمة ».
قوله :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾.
أي : إنما استحسنوا هذه العقوبة؛ لأنهم كانوا في الدنيا متنعّمين بالحرام.
و « المُتْرَف » : المنعم.
قاله ابن عباس وغيره.
وقال السُّدي :« مُتْرَفينَ » أي : مشركين.
قوله :﴿ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم ﴾.
الحِنْثُ في أصل كلامهم : العدل الثقيل، وسمي به الذنب والإثم لثقلهما، قاله الخطابي.
وفلان حَنِثَ في يمينه، أي لم يَفِ به؛ لأنه يأثم غالباً، ويعبر بالحِنْثِ عن البُلُوغ، ومنه قوله :« لَمْ يَبْلغوا الحِنْثَ ».
وإنما قيل ذلك؛ لأن الإنسان عند بلوغه إيَّاه يؤاخذ بالحنث، أي : بالذنب، وتَحَنَّثَ فلان، أي جانب الحِنْث.
وفي الحديث :« كَانَ يَتَحَنَّثُ بِغَارِ حِرَاءَ »، أي : يتعبّد لمُجانبته الإثم، نحو :« تَحَرَّجَ » فتفعَّل في هذه كلِّها للسَّلْب.

فصل في تفسير الآية


قال الحسن، والضحاك، وابن زيد :﴿ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم ﴾ أي : يقيمون على الشرك.
وقال قتادة ومجاهد : الذَّنْب العظيم الذي لا يتوبون منه.
وقال الشَّعبي : هو اليمين الغَمُوس، وهي من الكبائر، يقال : حنث في يمينه، أي : لم يبرّها ورجع فيها، وكانوا يقسمون أن لا بعث، وأن الأصنام أنْداد الله فذلك حنثهم.

فصل في الحكمة من ذكر عذاب هذه الطائفة


قال ابن الخطيب : والحكمة في ذكره سبب عذابهم، ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب ثوابهم، فلم يقل : إنهم كانوا قبل ذلك شاكرين مذعنين، وذلك تنبيه على أن ذلك الثواب منه فضل، والعقاب منه عدل، والفضل سواء ذكر سببه، أو لم يذكره لا يتوهّم بالمتفضل نقص وظلم.


الصفحة التالية
Icon