قوله :﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضآلون ﴾ عن الهدى ﴿ المكذبون ﴾ بالبعث ﴿ لآكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ﴾، وهو شجر كريه المَنْظَر كريه الطعم، وهو المذكور في سورة « والصَّافَّات ».
وهذا الخطاب عامّ، وقيل : لأهل « مكة »، وهو من تمام كلام النبي ﷺ وقدم هنا الضَّالين على المكذبين في آخر السورة، قال :﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين ﴾ [ الواقعة : ٩٢ ]، فقدم المكذبين على الضَّالين؛ لأنهم هنا أصرُّوا على الحنث العظيم فضلوا عن السبيل، ثم كذبوا الرسول، وقالوا :« أئذا مِتْنَا ».
وفي آخر السورة قدم المكذبين بالحشر على الضالين عن طريق الخلاص، أو يقال : إنَّ الكلام هنا مع الكُفَّار وهم ضلوا أولاً، وكذبوا ثانياً، وفي آخر السورة الكلام مع النبي ﷺ فقدم التكذيب به إظهاراً للعناية به ﷺ.
قوله :﴿ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ ﴾. فيه أوجه :
أحدها : أن تكون « من » الأولى لابتداء الغاية، والثانية للبيان، أي : مبتدئون الأكل من شجر هو زقوم.
الثاني : أن تكون « من » الثَّانية صفة ل « شجر » فيتعلق بمحذوف أي : مستقر.
الثالث : أن تكون الأولى مزيدة، أي : لآكلون شجراً، و « من » الثانية على ما تقدم من الوجهين.
الرابع : عكس هذا، وهو أن تكون الثانية مزيدة، أي : لآكلون زقُّوماً، و « من » الأولى للابتداء في محل نصب على الحال من « زقّوم » أي : كائناً من شجر، ولو تأخَّر لكان صفة.
الخامس : أن « من شجر » صفة لمفعول محذوف، أي : لآكلون شيئاً من شجر و « مِنْ زقُّومٍ » على هذا نعت ل « شجر » أو لشيءٍ محذوف.
السادس : أن الأولى للتبعيض، والثانية بدل منها.
قوله :﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون ﴾.
الضمير في « منها » عائد على الشجر، وفي « عليه » للشجر أيضاً.
وأنه يجوز تذكير اسم الجنس وتأنيثه، وأنهما لغتان.
وقيل : الضمير في « عليه » عائد على « الزَّقُّوم ».
وقال أبو البقاء : للمأكول.
وقال ابن عطية :« للمأكول أو الأكل » انتهى.
وفي قوله :« الأكْل » بُعْد.
وقال الزمخشري :« وأنّث ضمير الشجر على المعنى، وذكره على اللفظ في » منها « و » عليه «، ومن قرأ :﴿ مِن شَجَرَةٍ مِّن زَقُّومٍ ﴾ فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثاني على تأويل الزقوم؛ لأنه تفسيرها ».

فصل في تحرير معنى الزقوم


قال ابن الخطيب :« اختلفت أقوال الناس في » الزقوم «، وحاصل الأقوال يرجع إلى كون ذلك في الطَّعم مرًّا، وفي اللمس حارًّا، وفي الرائحة منتناً، وفي المنظر أسود لا يكاد آكله يَسيغهُ.
والتحقيق اللغوي فيه أن الزَّقوم لغة عربية، ودلنا تركيبه على قبحه؛ لأن »
ز ق م « لم يجتمع إلا في مهمل، أو في مكروه.


الصفحة التالية
Icon