قال الضحاك : معناه أي : سوَّينا بين أهل السماء وأهل الأرض.
وقيل : قضينا.
وقيل : كتبنا.
قال مقاتل : فمنكم من يبلغ الهَرَم، ومنكم من يموت صبيًّا وشابًّا.
﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ أي : مغلوبين عاجزين.
قوله :﴿ على أَن نُّبَدِّلَ ﴾.
يجوز أن يتعلق ﴿ بِمَسْبُوقِينَ ﴾، وهو الظَّاهر، أي : لم يسبقنا أحد على تبديلنا أمثالكم، أي : يعجزنا، يقال : سبقه إلى كذا، أي : أعجزه عنه، وغلبه عليه.
الثاني : أنه متعلق بقوله :« قَدَّرْنا » أي : قدرنا بينكم الموت، ﴿ على أن نُبدِّل ﴾ أي : تموت طائفة، وتخلفها طائفة أخرى. قال معناه الطبري.
وعلى هذا يكون قوله :﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ معترضاً، وهو اعتراض حسن.
ويجوز في « أمْثَالكُمْ » وجهان :
أحدهما : أنه جمع « مِثْل » - بكسر الميم وسكون الثاء - أي : نحن قادرون على أن نعدمكم، ونخلق قوماً آخرين أمثالكم، ويؤيده :﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا الناس وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ﴾ [ النساء : ١٣٣ ].
والثاني : أنه جمع « مَثَل » - بفتحتين - وهو الصفة، أي : نغير صفاتكم التي أنتم عليها خَلْقاً وخُلُقاً، و « ننشئكم » في صفات غيرها.
وتقدم قراءتا النَّشأة في « العنكبوت ».
فصل في تفسير معنى الآية
قال الطبري : معنى الآية : نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم بآخرين من جنسكم، ﴿ وما نحن بمسبوقين ﴾ في آجالكم، أي : لا يتقدم متأخر، ولا يتأخّر متقدم، ﴿ وننشئكم فيما لا تعلمون ﴾ من الصُّور والهيئاتِ.
قال الحسن : أي : نجعلكم قِردةً وخنازير كما فعلنا بأقوام قبلكم.
وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا، فيجمّل المؤمن ببياض وجهه، ويقبح الكافر بسواد وجهه.
وقال سعيد بن المسيب : قوله :﴿ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ يعني في حواصل طير سُودٍ تكون ببرهوت كأنها الخَطَاطِيْف، و « برهوت » : وادٍ في « اليمن ».
وقال مجاهد :﴿ فيما لا تعلمون ﴾ أي : في أي خلق شئنا.
وقيل : ننشئكم في عالم فيما لا تعلمون، وفي مكان لا تعلمون.
قال ها هنا :﴿ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت ﴾.
وقال في سورة « الملك » :﴿ خَلَقَ الموت والحياة ﴾ [ الملك : ٢ ] بلفظ الخلق؛ لأن المراد هناك بيان كون الموت والحياة مخلوقين، وهاهنا ذكر حياتهم ومماتهم.
قوله :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النشأة الأولى ﴾.
أي : إذ خلقتم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، ولم تكونوا شيئاً. قاله مجاهد وغيره.
وهذا تقرير للنشأة الثَّانية.
وقال قتادة والضحاك : يعني خلق آدم ﷺ.
﴿ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾. أي : فهلا تذكرون.
قرأ طلحة :« تَذْكُرون » بسكون « الذال »، وضم « الكاف ».
وفي الخبر :« عَجَباً كُل العَجبِ للمُكذِّبِ بالنَّشأة الآخرةِ، وهُو يَرَى النَّشْأة الأولى، وعَجَباً للمُصدِّقِ بالنَّشأةِ الآخرةِ، وهُوَ يَسْعَى لدارِ الغرُورِ ».