قوله :﴿ كَلاَّ ﴾. قال الزمخشري :« كلاَّ » ردع للنبي ﷺ عن عادة العجلة وحثّ على الأناة.
وقال جماعة من المفسرين :« كلاَّ » معناه « حقّاً » أي : حقّاً تحبّون العاجلة، وهو اختيار أبي حاتم؛ لأن الإنسان بمعنى الناس.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما :« كلاَّ » أي : أنَّ أبا جهل لا يؤمن بتفسير القرآن وبيانه.
وقيل :« كلاَّ » لا يصلُّون ولا يزكُّون، يريد كفار « مكّة ».
« بَلْ تُحِبُّونَ ». قرأ ابن كثير وأبو عمرو :« يُحِبُّون، ويَذَرُونَ » بيان الغيبة حملاً على لفظة الإنسان المذكور أولاً لأن المراد به الجنس، وهو اختيار أبي حاتم؛ لأن « الإنسان » بمعنى الناس والباقون : بالخطاب فيهما، إما خطاباً لكفار قريش أي : بل تحبون يا كفار قريش العاجلة، أي : الدار الدنيا والحياة فيها ﴿ وَتَذَرُونَ الآخرة ﴾ أي تدعون الآخرة والعمل لها، وإما التفاتاً عن الإخبار عن الجنس المتقدم والإقبال عليه بالخطاب.
واختار الخطاب أبو عبيد، قال : ولولا الكراهة لخلاف هؤلاء القراء لقرأتها بالياء، لذكر الإنسان قبل ذلك.
قوله تعالى :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ﴾ فيه أوجه :
أحدها : أن يكون « وجوهٌ » مبتدأ، و « نَاضِرةٌ » نعتٌ له، و « يَومئذٍ » منصوب ب « نَاضِرَةٌ » و « ناظِرَةٌ » خبره، و « إلى ربِّها » متعلق بالخبر. والمعنى : أن الوجوه الحسنة يوم القيامة ناظرة إلى الله تعالى، وهذا معنى صحيح، والنَّاضرة : من النُّضرة وهي التنعم، ومنه غصن ناضر.
الثاني : أن تكون « وُجوهٌ » مبتدأ أيضاً، و « نَاضِرةٌ » خبره، و « يَوْمئذٍ » منصوب الخبر - كما تقدم - وسوَّغ الابتداء هنا بالنكرة كون الموضع موضع تفصيل، كقوله :[ المتقارب ]

٤٩٩٦ -.................. فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وثَوْبٌ أجُرْ
وتكون « نَاضِرةٌ » نعتاً ل « وُجوهٌ » أو خبراً ثانياً او خبراً لمبتدأ محذوف، و « إلى ربِّها » متعلق ب « ناظرة » كما تقدم.
وقال ابن عطية : وابتدأ بالنكرة؛ لأنها تخصصت بقوله :« يوْمَئذٍ ».
وقال أبو البقاء : وجاز الابتداء هنا بالنَّكرة لحصول الفائدة.
وفي كلا قوليهما نظر أما قول ابن عطية : فلأن قوله « تخصصت » بقوله :« يَوْمئذٍ » هو التخصيص إما لكونها عاملة فيه، وهو محال؛ لأنها جامدة، وإما لأنها موصوفة به، وهو محال أيضاً؛ لأن الجثة لا توصف بالزمان كما لا يخبر به عنها.
وأما قول أبي البقاء : فإن أراد بحصول الفائدة ما تقدم من التفصيل فصحيح، وإن عنى ما عناه ابن عطية فليس بصحيح لما تقدم.
الثالث : أن يكون « وُجوهٌ » مبتدأ، و « يُوْمئذٍ » خبره.


الصفحة التالية
Icon